نتساءل كثيرا عن سبب تباعد الأجيال عن بعضهم ، و عن سبب الاختلاف أو العناد الذي يمارسه كلا الطرفين اتجاه بعضهما
و في كل مرة نلقي باللوم على التكنولوجيا في كل الأمور التي نعجز عن ترتيب أمورنا فيها بالشكل المُرضي و المناسب .
فواجب الأجيال أن تأخذ بيد بعضها البعض ، أن تتضامن و تتعاون ، أن تدعم ، و تساند و تشجع بعضها ، فهذا هو الواجب المفروض على الجميع . من الأكيد أن هناك الكثير من الأسباب
التي تساهم في هذه الإشكالية ، و التي أصبحت تؤرق أغلبية الآباء و الأمهات و المربين و المربيات ، فما جدوى بيوت أصبحت الخلافات و النزاعات أكثر ما يميزها و يسودها ، ما فائدة جيل يتعب و يسهر و يكافح ليجد نفسه وجها لوجه مع من هو ضده على طول الخط ، رافض لكل الأفكار ، لكل القيم
التي تربى عليها ، ما جدوى أجواء مليئة بالمشاحنات بدل المحبة و السلام ، ما جدوى جيل يود التخلص بكل ما يربطه بثراته و ثقافته و جذوره .
قد يكون أهم سبب هو القسوة التي أصبحت تكسو القلوب و تغلف العقول ، قسوة تجعل الكبير يقلل من قيمة الصغير و يعتبره أقل ذكاء و عقلا و خبرة ، و الصغير يعتبر الكبير أكثر تعصبا و تصلبا و عنادا . من المؤكد أن القسوة أهم أسباب الخلافات ، فالقلوب حينما لا تأتلف و تتآلف لا بد لها و أن تختلف و تتخالف ، و حينما لا تتحاب فيما بينها فلا بد و أن تكره بعضها و تتباغض ، و كل ما يتم في هذه الأجواء المسمومة و المفعمة بالسلبية لا يمكن أن يؤدي إلى التفاهم و الود و التعاون ، بل إنه يصبح شبه معركة غير معلنة لكنها مستمرة في الخفاء ، القسوة ليست السبب الوحيد ، لكنها السبب الرئيسي الذي يهيئ و يبني لكل ما تعاني منه أغلب العوائل و الأسر ، فحينما يجد الأبناء أولياءهم مشغولين عنهم بما هو أهم ، في الوقت الذي يجب أن يكونوا فيه هم أولوية الأولويات ، يحسون بالإحباط و قلة القيمة و الفائدة ، قد يكون انشغال الأهل مبررا بسبب البحث عن لقمة العيش أو أي أمور أخرى حيوية و ضرورية ، لكنهم غير مبرئين من التقصير في حق أبنائهم ، و لأن الأبناء لا يختارون آباءهم و أمهاتهم ، فإن فهؤلاء لهم الاختيار في الإنجاب و تحمل مسؤولية أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم فتحوا أعينهم ليجدوا أنفسهم ، في معمعة لا دور لهم فيها ، و يخوضون قضية لا يد ولا شأن لهم فيها .
هناك من يرجئ أمر البين و الفجوة و الجفاف بين الأجيال إلى أن التكنولوجيا هي السبب ، لكن هروب الوئام و الحب من البيوت هو السبب ، لأن التغلب على أمر عدم مسايرة التكنولوجيا أمر مقدور عليه بالتعلم و التدرب عليها ، بل إنها قد تكون أهم سبب في التقارب بين المتباعدين و المتجافين . فهي تقرب بين المحبين على بعد آلاف الأميال لكنها لا تستطيع التقريب بين المتجافين قيد أنملة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق