في بيتنا معافى..محاضرة الدكتورة نجية الشياظمي في المؤتمر العلمي نيوروسيكولجي الثالث بالقاهرة

 


في بيتنا معافى..

محاضرة الدكتورة نجية الشياظمي 

رئيسة أكاديمية شعاع المستقبل

في المؤتمر العلمي نيوروسيكولجي الثالث بالقاهرة

مقدمة :

(الأبناء و قيمتهم و تعب الوالدين من أجلهم)

كلنا يعلم أن الأسرة هي نواة المجتمع و الخلية الأولى التي تصنع نسيجه ، و لهذا فما نمحنه للأسرة و ما نكرسه من جهود لأجلها يبقى أهم ما يضمن النتائج الإيجابية التي نتوخاها منها ، و إعطاء الأهمية للأسرة من طرف المجتمع بكل فئاته و هيئاته يترجم و يعني إعطاء الأهمية لكل أفرادها ، كبارا كانوا أو صغارا ، معافين كانوا أو سليمين ، فلكل فرد أهميته في المجتمع و لا يمكن تجاهل أي عضو فيه مهما قلت قيمته أو زادت ، و قد نجد داخل الأسرة تفاوتا في الأهمية لأفرادها ، فقيمة الأب الذي يسعى خارج البيت ليس أكبر و لا أهم من دور الأم التي تكرس جل وقتها إن لم يكن كله في حال كانت عاملة خارج البيت أو مجرد ربة بيت .

كما أن للأخوة نفس الدور النفسي و الاجتماعي الذي يبني و يؤسس للآخر شخصيته مهما بدأ لنا الأمر غير ذي أهمية ، و بذلك تكون العلاقة الأسرية التي تجمع الأفراد مبنية على التقدير و الاحترام المتبادل .
و لا أحد ينكر دور الوالدين في بناء الأسرة السليمة و الإيجابية حيث يبدأ ذلك منذ اليوم الأول الذي يتم فيه اختيار الطرفين لبعضهما ، فهذه هي البداية الحقيقية لكل نجاح أو إخفاق للأسرة فيما بعد . و على أساسها يتم تكوين أفراد صالحين للمجتمع من خلال ما يقدمونه من رعاية و تربية للأبناء .

و في الوقت الذي نجد فيه الكثيرين يبذلون الغالي و النفيس من أجل تحقيق مستوى معيشي _من أكل و شرب و ملبس و مسكن _ و كل هذا لا يدخل ضمن التربية و إنما مجرد رعاية لا أكثر و لا أقل_ مناسب و مريح للأبناء ، نلاحظ عدم إعطاء نفس الأهمية للجانب التربوي ، و الذي يتمثل في إعطاء القدوة و المثل الأعلى ، مع الإرشاد و التقويم و الإصلاح ، و لهذا بدأت مجتمعاتنا تشكو من قلة التربية ، لأننا أولينا الأهمية القصوى للرعاية فقط و التي تتجلى في المظاهر فقط :أكل طيب ، و ملبس شيك و سكن فاخر ، و لعب باهظة الثمن ، و أعطينا الاهتمام لكل ما هو مادي و له علاقة بالمال فقط ، و بذلك دخلت الأسر في حلقة مفرغة ، تبحث عن المزيد من المال و الذي بدوره يأخذ الكثير من وقت الأب و الأم ، و فسدت التربية و تلاست القيم و الأخلاق حينما وكلت لعاملات أجنبيات لا علاقة لهن بثقافتنا أو ديننا أو تقاليدنا الصالحة .
و داخل نفس الأسرة نجد تفاوت من حيث المحبة و التقدير بين الأبناء ، و هذه هي النفس البشرية ، فإن لم يسلم منها سيدنا يعقوب نبي الله مع أبنائه فكيف نرجو و نسلم منها نحن خصوصا في هذا الزمن الجريح الذي ينزف من كل اتجاه ، اقتصاديا و أخلاقيا و صحيا و من كل اتجاه . و خصوصا حينما تُبتَلى الأسرة بابن معافى و غير سليم ( و انا افضل هنا استعمال كلمة معافى على كلمة معاق) تتعب كل الأسرة بكل أفرادها حيث ينعكس ذلك عليها و خصوصا على الأب و الأم ، حيث يتم انفصال الوالدين أحيانا بسبب ذلك ، لعدم القدرة على تحمل ذلك الابتلاء ، و الذي يبدو في ظاهره محنة ، لكن الله لا يود من خلالها إلا منح منحة قد لا يستحقها إلا من أنعم الله عليه بها . فالعناية بطفل من هذا النوع و بعدها بمراهق ثم شاب ثم بالغ ، تكون المسؤولية كبيرة و فوق الطاقة،  لذلك وجب التدخل و منذ البداية لتفادي ذلك
*عن طريق متابعة الحمل و العناية به ليتم في أحسن الظروف و يكون الجنين في صحة جيدة . بالإضافة إلى توفير أبسط الامكانيات للأم و التي تعتبر هي المربية الأولى ، و قد يتم ذلك
منذ الأيام الأولى التي تضع فيه الأم الحامل وليدها ، فقد ، تخرج الأم من عيادة الولادة و هي لا تدري أنها تحمل بين ذراعيها مولودا ليس كما تظنه هي ، فيتأخر التشخيص لمشاكل الطفل و تتفاقم الأمور بعد ذلك ، و قد تتم مساعدتها عن طريق تلقينها أول التدخلات لأجل معرفة التعامل مع ذلك الطفل المختلف عن باقي أطفالها و أحيانا قد يكون أكل فرحتها ، فتحزن و تحبط .


دور الدعم و التأهيل النفسي للمعاقين :

يتجلى الدور الأساسي بالدرجة الأولى لأجل أن يفهم المعاق نفسه أولا و يفهم العالم المحيط به من جهة ثانية ، حتى يتمكن من مواكبة الحياة بكل مكوناتها و متغيراتها من حوله .
١.مساعدة الشخص المعاق على فهم و تقدير خصائصه النفسية و معرفة إمكانياته الجسمية و العقلية و الاجتماعية و المهنية و تطوير أهداف إيجابية سليمة نحو ذاته .
٢.مساعدته على تجاوز التوتر و الكبت و القلق الذي يعاني منه المعاق مع ضبط عواطفه و انفعالاته (الثبات الانفعالي).
٣.تعديل بعض العادات السلوكية الخاطئة .
٤.المساعدة على تنمية الشعور بالقيمة و تقدير الذات و احترامها و السعي إلى تحقيق أقصى درجة ممكنة من الثقة بالنفس.
٥.تنمية و تطوير أهداف إيجابية نحو الحياة و العمل و المجتمع.
٦.تدريب المعاق على تدبير أموره و تطوير ثقته بنفسه و بالآخرين و إدراكه لإمكانياته المحدودة و تبصيره بها و كيفية  استغلالها و الاستفادة منها.

تدريب أفراد الأسرة :
هنا أنقل تجربة شخصية عن جريدة المساء المغربية من خلال شهادة إحدى الأمهات المشاركات في دورة تدريبية لأجل تأهيل أسرة ذوي الاحتياجات الخاصة حيث عبرت بقولها : و لخصت كل شيء"المعرفة هي القوة" حيث تضيف قائلة أن الورشة التدريبية جعلتها تشعر بثقة أكبر عند التحدث و التواصل مع الخبراء و الأخصائيين الاجتماعيات و النفسيين بدل الذهاب إلى المشعوذ ، حيث يساهم التدريب في اتباع  إجراءات سلوكية عامة مشتركة بين الأسرة و المدرسة  و باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية ، مما يسهل متابعة تقدم و نمو الطفل و زيادة فرص الاندماج و التكيف .

وتعتمد استجابة الأسرة للسعادة على العوامل التالية:
*الإمكانيات المادية
*الامكانيات الاجتماعية
*الامكانيات الانفعالية العاطفية و التي تعبر عن مدى ترابط أفراد الأسرة فيما بينهم.
*المستوى التعليمي و الثقافي للوالدين.
*حجم الأسرة
*نوع الإعاقة
*جنس المعاق
*مساعدة الأب : و ذلك عن طريق دعمه نفسيا ، فالأب أقل تقبلا لذلك الأمر عكس الأم التي تكون قد أسكنت ذلك المسكين أحشاءها و أطعمته من دمائها ، فأصبح جزءا منها و لا تستطيع الاستغناء عنه بأي وجه من الوجوه .
فالأب يكون أكثر حاجة إلى أن يفهم و يستوعب حتى لا تكون له ردة فعل عكسية ، قد يغادر نتيجتها بيت الأسرة فيتركها عرضة للضياع . و ما أحوجنا في مجتمعاتنا العربية إلى الدعم النفسي ، هذا البلسم الذي يلطف و يضمد الجراح ، فهو العلاج الأولي الذي يمكنه أن يغنينا عن بقية المشاكل النفسية و الصحية . و إنه من الأكيد أن يكون لهذا الاهتمام و المساعدة التي يحظى بها الوالدان الدور الكبير في التخفيف من حدة الصدمة التي يصابان بها و كل الأهل القريبين من الأب و الأم كالجد و الجدة و الأعمام و الأخوال .
لذلك فإن العمل على تأهيل كل الأسرة من أب و أم و إخوة من أجل معرفة التعامل مع ذلك الفرد أو العضو الغير عادي فيها يكون له بالغ المردودية في صحة و سلامة الأسرة كلها .
فأحيانا عدم العلم بطريقة التعامل مع هؤلاء الأشخاص قد يفاقم الأمر و يزيده تعقيدا ، لذلك وجب تأطير الأسرة . و ذلك من خلال مراكز مؤهلة لأجل ذلك تكون مدعومة من طرف الدولة،  فاحيانا يكون العوز أكبر إعاقة و أخطرها بالنسبة للأسرة حتى السليمة منها .
و المرحلة الدراسية أو ما قبلها لا تقل أهمية عن كل ما سبق ذكره . فأبناؤنا المعافون إذا ما منحناهم العناية الضرورية فإننا سنحولهم إلى كنوز تفوق قيمتهم كل ما يمكننا تخيله و تصوره ، فأغلب المخترعين و المبتكرين كانوا ينعتون باضطرابات لو لم يستعمل فيها حسن التصرف بحكمة و سعة صدر لم يكونوا ليبلغوا ما بلغوه ، بل لقد كان من الممكن أن يظلوا عالة على أهلهم و مجتمعاتهم ، لكنهم أصبحوا قيمة مضافة بسبب التفهم و الاهتمام الذي منح لهم حينما اكتشفت اختلافاتهم منذ البداية ، فتدارك الأمور منذ البداية يعطي أحسن النتائج غالبا .


الوقاية من الإعاقة :

لعل الوقاية تكون من أهم الأسباب في تفادي الإعاقة و الحماية منها ، فهي تلعب الدور الكبير في تجنب العديد من الأمراض و العلل،  و هي أنواع مختلفة منها ما يكون قبل الولادة أي أثناء فترة الحمل و منها ما يكون بعد الولادة ، كما أن هناك الإعاقة الوراثية و التي تنتقل عبر الجينات من الوالدين إلى المولود .
و كما يحدد الأطباء فإن العديد من المشاكل تكون بسبب:  *بعض الأمراض التي تعاني منها الأم الحامل كالسكري و سوء التغذية و الإصابة ببعض الفيروسات أو بعض التسممات الغذائية أو الدوائية أو بعض الأشعة الضارة .
*وهناك إعاقات تحصل أثناء الولادة كحدوث الولادة قبل أوانها
أو إصابة المولود أثناء عملية التوليد ...
*و هناك إعاقة ما بعد الولادة كالتعرض لبعض الأمراض أو الأوبئة مالشلل أو بعض أنواع الحمى.


و للوقاية من الإعاقة يجب احترام التدبير التالية :
*فحص الطرفين قبل الزواج للتأكد من الأمراض الوراثية
*السلامة من تعاطي المخدرات أو الكحول
*رعاية الأم الحامل من خلال الفحوصات الدورية
*رعاية صحة الطفل عن طريق الولادة بالمستشفى مع إجراء فحوصات ما بعد الولادة بالإضافة إلى إعطاء اللقاءات الضرورية و التغذية المناسبة ، و الرضاعة الطبيعية فحليب الأم أهم غذاء للطفل على وجه الأرض.
*الابتعاد عن الزواج المبكر قبل ١٨ سنة
*الابتعاد عن الإنجاب المتأخر بعد سن ٣٥ سنة (متلازمة داون )
*التحذير من زواج الأقارب
*تجنب الحوادث التي يتعرض لها الطفل داخل البيت


الخاتمة :

قد تكون الإعاقة قدرا محتوما في بعض الأحيان رغم كل الاحتياطات و التدابير ، و هذه ليست نهاية العالم ، فالرضا فقضاء الله و قدره قد يكون أكبر و أهم سبيل لنيل رضا رب العالمين ، لذلك فالتقبل و التكيف و الاجتهاد للحد من التبعات السلبية للإعاقة قد يعطي أحسن النتائج ، حيث يمكن من خلال هذه السلوكيات النجاح في إدماج ذلك الطفل المعاق في المجتمع حتى لا يكون عالة على أهله و مجتمعه و نفسه ، و هذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال التعلم و البحث ، فالعلم و المعرفة هي القوة و السلاح في مثل هذه الظروف.



تعليقات