.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

المغتربون وصراع الهوية..بقلم/ حيــاة قاصدي

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏زهرة‏‏
لكل أمة هويتها ، الهوية تكتمل بعناصرها الصلبة :العقيدة والتاريخ والثقافة .
بالنسبة لي هي نمط حياة ،هي شخصية حينما تجتمع لديها عناصرها الأساسية تعطي لنفسها ما يميزها عن الآخر الخارج عن نطاقها الجماعي، ويظهر ذلك في السلوكات والأذواق والتعامل مع المواقف وردود الأفعال تجاه الثقافات الأخرى .
كيف يعرف المرء أنه يحمل جينات هويته الدينية بغض النظر عن إدعائه أنه يحملها فعلا ،هناك سلوكات لا إرادية تكشف حجم الحقيقة التي بداخله ،ليس اللسان من يجعلنا نكتشفها بل السلوك للاإرادي هو الذي يمنحنا المؤشر الحقيقي على ذلك .
وهذا الطرح له أهمية بالغة حينما يتعلق الأمر بأبناء الجالية المسلمة هنا في فرنسا ،فالأجيال السابقة تتميز غالبيتها بالتذبذب بين ثقافتين ثقافة الوطن الأم بالاسم وثقافة الوطن المضيف التي تمكنت مع مرور الوقت من القضاء على الإرتباط بالوطن الأم .
حيث لم يكن هناك مؤسسات ثقافية ودينية تحاول التقليل من التأثير الكلي للثقافة الفرنسية على هذه الفئة التي لم تكن قليلة العدد بل وظل عددها في تزايد مستمر،وبقي تمثال الحضارة الغربية وحضور اللغة الفرنسية من أهم الأسس التي كونت الوجدان العاطفي للمواطنة والانتماء الحضاري لديها ،وهذا ما أنتج جيلا لا يرتبط في كيانه بالهوية الأصلية .
لكن هذا الإنحراف كما يحلوا لي أن أسميه أوقع جزءا كبيرا ممن حسبوا أنفسهم فرنسيين بإمتلاكهم اللغة والاوراق الرسمية في حفرة جعلتهم يبقون فيها كالأسرى ،لم يتمكنوا من الخروج منها وظلوا عالقين بداخلها في حيرة من أمرهم .
مع مرور الوقت وتحت تأثير المعايشة والواقع نمى لدى الغالبية الاحساس بالتغريب داخل مجتمع بعيد عنهم كل البعد في أبعاده الروحية ،
وإن منحهم كل شيء في الظاهر لكنه لم يمنحهم قلبه ،وتظل الهوية هي أصل المحبة الحقيقية للذات وإن إفتقدناها نفتقد بذلك قيمة وجود فقد قيمه .
وكوني أدرس في مدرسة إسلامية خاصة سمحت لي الفرصة أن أتعايش مع عدد من أبناء أمتنا الإسلامية من الأطفال والمراهقين ،فالبرامج الفرنسية تقدم للتلميذ المادة الخام لتكوينه العلمي وتمنحه الفرصة للإطلاع على جميع الثقافات لكن بصفة محدودة جدا ،أما الان وقد تعددت المراكز الاسلامية وبعض المدارس الخاصة ذات الطابع الاسلامي أصبح الطفل يجد في محيطه ما يربطه بهويته وإنتماءه الحضاري ،وأحيانا قبل الشروع في الدرس أخذ من الوقت خمس دقائق أدخل فيها التلميذ في محيط وزمن يحس فيهما أنه يجد هويته وثقافته التي ينتمي إليها .فالهدف ليس إكتشاف القدرات العقلية بقدر ما هو إكتشاف قدراتهم على إستيعاب محيطهم الحضاري الذي يتلاءم مع دينهم وانتمائهم الفكري ،والسؤال المطروح باللغة الفرنسية وأعيد صياغته بالعربية :ماهي هويتكم ؟
وتختلف ردود التلاميذ من واحد يقول لك أنا جزائري وآخر انا مصري وآخر انا فرنسي وهكذا ومن بين التلاميذ من هم فرنسيون في الأصل إعتنق أهلهم الإسلام يفتخرون بجملة رائعة Je suis musulman .
الإجابة الأولى بالنسبة لي هي ما ترسخ في وجدان كل تلميذ وهي البوح الذي يعبر فيه عن قناعته الحقيقية ،لكن الإنتماء للوطن الأم في إعتقادي ليس كافيا خاصة حينما يتعلق الأمر بتواجد المسلمين خارج بلدانهم حيث يشكلون خليطا من دول مختلفة من العالم الاسلامي وهنا يصبح هذا الانتماء عامل تفرقة ،هذا يشوش تفكير الأولاد ويضع الانتماء الديني خارج القناعة الأولى ،فتنشأ من كل وطن عربي مجموعة صغيرة تدين له وحده بولائها عوض توحد كل المسلمين تحت لواء واحد وهو الهوية الاسلامية .
لاحظت هذه الظاهرة الخطيرة في بعض برامج التدريس التي وضعت لتعليم اللغة العربية والتي تقسم اللغة العربية الى عدة أقسام كقولهم لغة عربية جزائرية ،تونسية ،الخ .
هذا التخطيط سيفكك جاليتنا أكثر ويفقدها روح التماسك في ظل جد خطير لم نعد نحتمل فيه أن نضعف أكثر مما نحن عليه .
تبقى مسألة لا تقل خطورة عن الذي سبق ذكره ،وجود بعض المتدينين الذين يحملون خطاب إسلاميا يبدوا مفيدا في عمومه لكنه يهدم كل بناء سليم للهوية وهو إن سألتهم أن يعرفون بأنفسهم يكون جوابهم أنا فرنسي ،هذا الجواب الذي يصدر عن مغترب أصوله عربية بحتة ودينه الاسلام يؤدي إلى طمس الجوهر مهما حاول تزيين المظهر ،كما أنه يكشف لنا هشاشة معتقده الديني ووعيه الفكري .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق