.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

من هنا نبدأ (الحلقة الثالثة)..بقلم:هشام السيد عبد الله القن


هل حقا نحن مثقفون أم متثاقفون؟ وما الثقافة التى يجب أن نأخذ بها؟
هل يمكننا المقاطعة الفكرية للثقافة النظامية؟ ولماذا يجب ذلك؟
وإذا قاطعناها فإلى أين نتجه؟
لا تزعجنى السلطة الجاهلة ولا العوام، فهما سيان لا قيمة لهما ولا تأثير حقيقى، لكن يزعجنى حقا المثقفون الجدد، لأنهم أشبه بالأمية الثقافية الجديدة، فليس صحيحا أن أغلب المثقفين اليوم مثقفون حقا، بل متثاقفون، فثقافتهم نتاج سماعى من هنا وهناك، ولا رؤية لديهم حقيقية، فرؤاهم اتباع وتقليد لغيرهم، فإذا فسدت قدوتهم فسدوا هم أيضا، وهذا ما حدث لهم بسبب قدوتهم العصرية والتى يأتى على رأسها وسائل الإعلام المتخلفة العطنة وطباخى ثقافة الأنظمة أو ثقافة المطبخ النظامى ثم سائر وسائل الميديا التقليدية التى تمضى فى ركاب السلطة وأتباعها المترفين
الأمة بخير طالما المثقفون مضطلعون بمهمتهم، وطالما العلماء قائمون على الحق، فإذا توقف هذا وذاك لم يبق إلا المتثاقفون والأميون الجدد خريجو الجامعات التعليمية اللاثقافية والشهادات التخصصية جدا والتى جعلت المعرفة بئرا ضحلا لا نهرا عميقا وعذبا تنهل منه شخصية المواطن والمتعلم لتقف على حقيقة حاضرها وماضيها
وعندما يصبح التعليم تخصصا فقط وينعزل عن مجريات الثقافة الحقيقية وأحداثها، وعندما يهمش دور البحث العلمى والعلماء عامة بما فيهم المؤسسات الدينية المعنية، وتصبح السلطة على رأس كل ذلك موجِّهة لا موجَّهة،..حينئذ لا شك ينهار كل شىء، لأن الأمة ونهضتها وروحها لا تحيا بأمر السلطان لكن بمن حوله ممن يصنعون له دولة حقيقية من العلم والإيمان معا، فإذا انهار العلم والإيمان أو أيهما ابتليت الأمة بسائر الأوجاع وكذلك السلطان
ومن هنا يبدو التخبط الذى يعانيه من يسمون المثقفين، وهم مجرد شراذم أودت بها السلطة فى مهامه من الفرقة الفكرية والانقطاع المعرفى عن الجذور والهوية بل والحداثة أيضا، فلم تتأصل بجذورها وتتعرق ولم تنهض بحداثة عصرها، بل أضحت كيانا هشا كالعبء على نفسها وعالمها معا، فلا هى أتقنت دينا ولا دنيا، بل راحت هى الأخرى تتصارع وتتقاتل بفعل السلطان وإيعازه ولأجله أيضا عن عمد أو جهل أحيانا أخرى
فى نفس الوقت الذى تأخذ فيه السلطة مجتمعاتها الوطنية إلى الغيبة عن العالم حداثة.. وعن نفسها هوية وجذورا، كل ذلك اعتقادا من السلطة أن ذلك ضمانة لأمنها واستقرارها، ولكنه فى الحقيقة الضمانة الوحيدة لبروتوكولات حكماء صهيون ومؤامرات الغرب الصهيوصليبى ومعاونيهم فى الداخل للإبقاء على هذه الأمة مبتورة عن ماضيها وحاضرها، والإبقاء عليها متخلفة متشاكسة إلى الأبد
ويصبح الانتماء للوطن والتراب –كذبا- هو البديل الذى نتغنى به عن أحلامنا الحقيقية فى الرقى والنمو والتجذر أيضا، يعنى تصبح الوطنية بدلا من أن تكون حلما يقود الوطن إلى النهضة تصبح مجرد أغان كالبكاء على الأطلال والرسوم والدمن وآثار الديار والمحبوبة التى كانت ها هنا ذات يوم جميلة وبهية، لكنها لا تغدو يوما نضالا وجهادا لاستعادة تلك المحبوبة وردها ثانية إلى ديارها التى تعمر لها من جديد بدل تخريبها ونقضها الذى حدث بأيدينا
ومن هنا ينبغى أن نبحث عن الثقافة الحقيقية المرجعية والعملية أيضا والتى تدفعنا نحو اليقظة لا النوم والتراخى، نحو التأمل والاستقراء الحقيقى للجديد والقديم حتى يتسنى بناء رؤية تمكننا من التعرف على حقيقة مشكلاتنا ومواكبة العصر، يعنى لابد من التخلى مطلقا عن إعلام وميديا الأنظمة إلى إعلام أجدر وأنظف وأكثر ثقافة وأنضج فكرا وأصدق لهجة، لابد من البحث عميقا فى التراث فى الدين فى اللغة والأدب فى الجديد والقديم معا على سواء
لابد أن يبحث المتعلمون والمثقفون معا (جنب العلماء طبعا) فى جذورهم لإحياء هويتهم والحفاظ على كينونتهم من التميع وسط خناعة السلطة التى لا تبحث سوى عن كرسى هادئ ورشيق لا عن وطن حقيقى نسكنه بشرف وفخار، فهؤلاء المتعلمون والمثقفون هم الشرارة الحقيقية والوحيدة وهم الناصح أيضا للسلطة إذا انحرفت، ف "الدين النصيحة"، ولا يمكن أن يقوم الجاهل ومن لا يعلم بالنصيحة لأنها علم وتجربة
أما إذا انحرفوا هم أيضا أو غابوا فمن أين إذن يكون إصلاح الحاكم والمحكوم والنصيحة له؟ وقد نتذكر قولة أبى بكر لما تولى الخلافة فقال: "أطيعونى ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لى عليكم"، والقرآن يمهد لذلك بقوله: "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة"، وذلاك لأن ديدن الملوك القوة مع الرعية والتسلط لا المشورة معها، وأعزة أهلها هم أكرمها وعلى رأسهم العلماء، فإذا قضى على العلماء قضي على عز الدولة كلها وتم إفسادها لا محالة، ولذا أمر الله بالشورى: "وشاورهم فى الأمر" وقال "وأمرهم شورى بينهم"، وجعل العلماء على رأس الشورى لا المترفين ولا المائعين، فقال: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" وقال المعصوم: "الدين النصيحة.." ثم بين فقال: ..لأئمة المسلمين وعامتهم"
إن المقاطعة الفكرية للثقافة النظامية المتخلفة والمتخاذلة واجب وطنى وقومى معا، والرجوع مرة أخرى إلى الهوية والبحث عن الجذور ضرورة وسط تيار التميع لئلا يجرفنا أو يجرف بنا إلى البعيد جدا مما لا قدرة لنا عليه، فننهار ونغرق وسط عالم يشرف كل يوم على الالتفات على الحقوق والواجبات وتوسيع الهوة بين الطبقات والشعوب وإثارة الفوضى والنعرات وسيطرة القطب الواحد وإذابة الهويات وسط العولمة ولصالح مشروع الشرق أوسط الجديد وإسرائيل خاصة
ولذا رفض القرآن التقليد فيما هو منكر ومرفوض حتى لو كان تراث الآباء والأجداد أو أحدث صيحات العصر المهيمنة بقوتها على العالم، لابد من صنع الإرادة صنع الثقافة رفض الاتباع الفكرى المجرد للسلطة الجاهلة ومن يسيطرون عليها من الخارج لتنفيذ أجندات أجنبية، فهل نتخذ خطوة للأمام؟ هل نبدأ؟ أما زلنا نبحث عن السلطان ليدلنا على الطريق؟
بقلم
هشام السيد عبد الله القن
ليلة الجمعة 21/2/2020م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق