.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

سعد الدين البابلي يكتب: الباقى من الزمن ... حياتك



الباقى من الزمن ... حياتك

قصة قصيرة بقلم

سعد الدين البابلي


الزمن شتاء 98 المكان . غرفة مكتب فى مبنى قديم الحالة . يوم كالذى قبله
الساعة الحادية عشر مساء

كل شئ أراه من خلال زجاج النافذة يهرب من المطر .. البشر وأشباحهم وجرذان الليل
الكل يفر ولا يبقى غير صوت المطر .. وحيدا أنا بين ساعة عتيقة وأوراق ومذياع
كان الباقى على زمن الحرية ساعة أقضيها خلف قضبان الأوراق الروتينية فى زنزانة النسيان أشعل سيجارة اليأس و أرتشف ما تبقى من القهوة الباردة و فى لحظة . غمرتنى موجات الذكريات وأخذتنى بعيدا إلى أخر كلمات سمعتها من حبيبتى .. دعنى أنظر لعينيك قبل أن نفترق أعلم أنى لست أول من زرع فى قلبك سنبلة الحب ولست أخر من يغرس فى قلبك السكين .. وتتلاشى صورتها ويذهب أثرها وافيق أنا على لذعة الدموع الساخنة تحرق أجفانى .. فقمت هاربا نحو المذياع اسمع البيانات الإخبارية عن من يبحث عن السلام والطعام وأخرون أشعلوا النار فى العش والقش وغيرهم يحرق القلوب وأغصان الزيتون والموت .. قصة لا تنتهى
فحولته إلى محطة الموسيقى الخفيفة .. كانت موسيقى شبه جنائزية تروق لى .. أسمعها وأتذكر كلمات حبيبتى الأخيرة .. إذ كنت راحلا عنى أترك لى صورتك وأنقش عليها إسمك فانت تعرف كم ضحيت من أجلك وألآن أبتعد عنك رغما عنى رغم عشقى وحبى لك .. فلن يبقى من الساعة سوى دقيقة واحدة .. يعنى ميعاد خروجك .. ماذا بك .. إنت سرحت تانى يا أستاذ .. كان الذى يحدثنى زميلى فى العمل وأنا غارق فى التفكير .. أسف لا تؤاخذنى تفضل وأستلم نوبتك .. مرت الدقيقة ودقت الساعة دقاتها المتعبة فخرجت من غرفة المكتب محلقا كالطائر إلى البوابة الكبيرة مسرعا إلى الشارع .. والشارع خاليا من البشر وأشباحهم وحتى جرذان الليل
وأقتربت تسالنى بصوت منخفض جدا ( ألا تمر سيارات من هذا الطريق ) لازمنى الصمت وكأنى لم أسمعها فكررت علي السؤال فقلت عفوا لم أسمعك المرة السابقة .. نعم
ولن يبقى غير هفوات الريح والمطر وسيارات تجرى بسرعة تتلاشى أضوائها الخافتة كلما أبتعدت .. واقف أنا أمام الميدان أنتظر سيارة لتقلنى إلى سجن أخر ( بيتى ) مرت دقيقة من الساعة أقضيها بين الميدان والطريق وبعد مرور لحظات ألمح شئ يسير إلى إتجاهى من بعيد يتجسد كلما أقترب .. يقصدنى .. ترى من يكون والمطر يحجب عنى الرؤيا والأفكار .. أنتظر مستسلما للمجهول .. وأقترب أكثر فأكثر حتى ظهرت ملامحه .. إنها فتاة جميلة رقيقة الملامح رغم صرامة عينيها , والغريب أن المطر والريح لم يحجب عبيرها المنبعث من ملابسها الثقيلة الأنيقة و هذا الكاب على رأسها كالتاج الملكى رغم إبتلاله بماء المطر .. فمن تكون صاحبة الجلالة ..؟
فنظرت إلي بقلق وتمتمت بشفتيها وكأنها تعنف نفسها ( إذن لماذا تأخروا علي لماذا ) فقلت لها إطمئنى فقد تمر أكثر من سيارةاجرى .. لازمت الصمت .. فنظرت إلي وهى تبتسم وقالت أنا لا أقصد سيارات الأجرة فقلت وأنا مبتل من داخلى .. أه نعم أعلم .. وبعد لحظة مرت بسرعة قالت هل تقابلنا من قبل .. فقلت لها وأنا أسترد كلماتى التحشرجة فى حنجرتى .. ربما فى نفس المكان من عشر دقائق أو منذ ألف سنة .. فقالت أنا لا أمزح فقلت وأنا اقول الحقيقة .. كنت أنتظر فى نفس المكان فضحكت بصوت يشبه نغمة كمان حزينة وقالت يا صاحب الخيال المجنون إذن أنت السيد هانز أندرسون مؤلف قصص الأطفال الخيالية .. وتعجبت فى خاطرى إنها تعرف الكاتب المفضل لى منذ طفولتى فقلت نعم أنا هو لقد أتيت للحياة من جديد . فقالت كيف هذا ولماذا تعود نحن لم نعود أطفالا ولن نستطيع مشاهدة قصصك الخيالية الجميلة .. سوف تعود بلا جدوى فقلت بصوت خافت .. نعم لأننى لم أعد طفلا ولن تعود الحياة كما كانت الدخان الضجيج العولمة و أسماء عديدة تحمل نفس المعانى خنقت داخلنا الخيال .. للأسف أنا خيال هانز أندرسون الحزين . وساد صمت الكلام وبدأت لغة العيون تنطق بالبراءة والبراءة من البراءة ... وأضاءة البرق فى السماء وكأنه يصور تلك اللحظات وتأملت فى وجهها وعرفتها .. إنها هى .. وجه جديد فى حياتى و فى السينما والتليفزيون ونجمة أغلفة المجلات فقالت هل عرفتنى الآن يا......... وفجأة نسمع صوت سيارة قادمة تشق الريح وتقهر المطر فصرخت بفرح وقالت سيارتى لقد أصلحوها .. فقلت لها إذهبى الآن يا ملكة الحب. فالموكب ينتظرك فنظرت إلي وقالت هل سنتقابل مرة أخرى فقلت لها فى نفس المكان فى ليلة ممطرة بعد ألف سنة فأتجهت نحو باب السيارة وقالت سوف أقابلك قبل ذلك ولكن أرجوك لا تتناسانى كما فعلت الليلة لأنك دائما معى فى كل مكان فلا أستطيع نسيانك .. إسمع يا ....... أيان كان إسمك الان عش كما كنت وأعتبر أن الباقى من الزمن حياتك

وذهبت ولم يبقى غير الميدان و المطر والطريق وذكراها الجديدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق