أشتاقُكَ .. قصة قصيرة بقلم/ رانية ميكائيل

أشتاقُكَ
قصة قصيرة 
بقلم/ رانية ميكائيل
..................................................................................

الانتظار محقّقٌ حذقٌ، يُنطقُك وأنت تضحك، وأنت تبكي، وبكامل وعيكَ!!!
طفلتيّ في صفّ الصولفيج، رائحة أعقاب السّجائر في قاعة الانتظار تتعدّى على ذاكرتي، وعلى المقعد الجلديّ قبالتي يتكئ العودُ، لم يكن كراقصات الباليه كما أراه دائماً، بدا اليوم كمريض سرطان.
لم يحملني قلبي على الجلوس ساكنة أتفرج، سارت إليه نظراتي، فاشتياقي، ثمّ خطواتي، تلمّست الخشب الأملس الدّاكن والأوتار.
كأنّي سمعت أبي يقول:
(يا بنتي جبيني ساخن؟)
كان كلّما استشعر اشتياقي تذرّع بالحرارة حجّةً لأقبّل جبينه الأسمر اللّامع وأغمرُ رأسه بين يدي.
( الله لا يحرمني هالريحة، لأ ما تخاف مافي سخونة يا بيي)
إي بعرف، بس كنت مشتاق لهالضمة. 
صارت دموعي أسرعَ من سقطة الزّجاج، تُكسّر ارتباكي، وتبعث جلجلةً في أنفاسي.
أُقبّل أوتار العود فيصير لأصابع أبي صوت (معزوفة ستّي) ولدمعتي ابتسامة أمّي النقيّة. 
أقبّل بطن العود وظهره فيعزف (على أم المناديلي) ترقص أختي، ويغفو أخي، فيعزف (ربيتك صغيرون حسن) وأبكي الآن (ليش تركتني؟)
أضمّ العود (كبرنا يا بيي وكبرت فينا الأيام) 
كان للجدران آذانٌ تسمع، وعينُ كاميرا أصدق من لقطات الأفلام. أخذتني بوجع المقابر الباردة.
فُتِحَ باب الغرفة المجاورة، إنّه عازف العود، عرفته من شعره المجعّد في صورته على بروفايله، كان حزنه ثقيلاً جميلاً كصمته وهو يخطو إليّ.
هل رآني أبكي!؟ هل سمع ذاكرتي؟ هل رأى رقصة أمّي وأختي؟ أتراه يسير ببطءٍ كي لا يوقِظ أخي، فينهض أبي من قبره؟ 
(بتحبّي علّمك العزف يا الحزينة؟)
كنت أريد أن أقول له: تعلّمت من عزف أبي الأبديّ للموت.
لكنّي أجبته رافضةً بابتسامة مالحة. 
(بس إذا بتعزفلي (ربيتك صغيرون) بكون ممنوتك، والمرّة الجاي بفرجيك صورة أبوي شو كان حلو !!)
لليوم ريشة أبي مرّة نطير بها فوق اللّحن الأبيض، وأخرى تصيرُ سِكاباً لدموع العين، ومرّاتٍ أكتب بها في الفراغ: (أشتاقك)


تعليقات