ألا صلوا في بيوتكم
قصة قصيرة يكتبها
حمدي الروبي
نسمات الفجر السماوية تملأ صدرها حياةً ورضاً وتفاؤلاً .. تتوارى خلف ستائر شرفتها الرحبة .. تتأمل زحف المؤمنين نحو مصلى العيد .. كأنها تنظر إلى جموع الصحابة المتجهين نحو إحدى الفتوحات طالبين النصر أو الشهادة .. الشوارع تعطرت بتكبيرات الرجال والشباب والفتيات والنساء .. نصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله .. يأتيها من ورائها برفق ومحبة :
هيا حبيبتي أيقظى الأولاد واستعدي لنذهب إلى مصلى العيد.
تضع رأسها على كتفه ثم تأمره بدلال المحبين:
لكن بعد الصلاة الإفطار عليك أنت تصنعه لنا بنفسك.
تنتبه على صوت معالي "وزير الخطابة" معلنا أنه لا صلاة غداً بالمساجد والساحات حرصا على سلامتكم وصحتكم .. تغلق التلفاز بضجر وحزن وهي تتمتم :
وما الجديد! لقد أظلمتم المساجد والكنائس حرصا على صحتنا وسلامتنا .. وتركتم الأسواق والشوارع ووسائل الانتقال لوعي المواطنين وتعاونهم!
تعود لشرفتها وكلها حنين لأصواتٍ اعتادت منذ الطفولة على سماعها تهز أركان الكون .. أشرق نور الله .. تجول ببصرها في الشارع .. لا أحد .. الجميع خائفون .. أو ربما غافلون .. بل هم نائمون .. نعم .. تهمس بالتكبير .. تعلو نبرة صوتها .. تدلي رأسها من الشرفة وكأنها تحاول إيقاظ الآخرين .. تخرج جارتها المجاورة .. تخرج أخرى بالمقابل .. كلهن يرددن تكبيرات العيد من الشرفات والنوافذ .. نسوة المدينة تتعالى أصواتهن من شرفات المنازل .. تكبيرات النساء والفتيات تصَّاعد في السماء .. تفزعها طرقات متتابعة على باب "الشقة" .. تنهض مسرعة لترى .. لا تصدق:
لقد عدت يا حبيبي؟ متى خرجت ؟ كيف خرجت ؟ هل هربت ؟
يحتضنها وهي تبكي كطفلة طال انتظارها لأمها الغائبة أو والدها الحنون :
لا يا حبيبتي .. لم أهرب .. لقد أصدرت "الحكومة" عفواً عاماً عن كل سجناء الرأي والصحافة بمناسبة "العيد".
تستسلم للبكاء والنحيب غير مصدقة لعودته بعد كل هذه السنوات .. وهو يخبئها بين ذراعية ويلج باب شقته باحثاً عن أطفاله.
ما ما ، ماما ، اصحي ماما ، نريد الذهاب لمصلى العيد ..
تفتح عينيها ببطءٍ .. تجد نفسها بغرفة نومها .. تتأمل أطفالها باندهاش .. ذبحوا فؤادها بسؤالهم المعتاد :
هو بابا مش هايصلي معانا العيد ده كمان؟
تهرول نحو شرفتها بذهول .. تطل بوجهها .. رائحة الحزن تملأ الشوارع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق