كيف يمكن الاستفادة من اختلاف الأبناء؟..الإجابة بقلم دكتورة/أسماء محمد سعد أحمد

لكل طفل سماته الخاصة التي تميزه عن غيره من الأطفال فهو يولد بطباع معينة تتبلور مع مرور الزمن وتتأثر بالبيئة والتربية ولكنها تظل تحمل لمسة من التفرد تميزه عن الآخرين لذلك من المهم جدا أن يدرك الآباء والأمهات أن اختلاف الأبناء ليس أمرا سلبيا بل هو فرصة ذهبية للتعلم والنمو وبناء شخصية متوازنة قد يكون الابن منطويا يحب العزلة والتأمل بينما أخوه يميل إلى الانفتاح وحب التفاعل الاجتماعي قد يكون أحدهم محبا للرسم والآخر مولعا بالأرقام هذا التنوع ليس سببا للمقارنة أو النقد بل هو دعوة لفهم كل طفل على حدة ودعمه ليحقق أفضل ما لديه من قدرات حين يدرك الأب والأم أن الاختلاف في الطباع والقدرات ليس مشكلة بل هو طبيعة بشرية فإن ذلك يغير طريقة تعاملهما مع أبنائهما فبدلا من محاولة جعل الجميع نسخة واحدة يبدأ الوالدان في تقبل كل ابن كما هو وتوفير البيئة التي تساعده على النمو وفق طبيعته الابن الهادئ يحتاج إلى وقت أطول للتعبير عن نفسه لكنه غالبا ما يكون عميق التفكير بينما الابن كثير الحركة قد يمل بسرعة من الجلوس الطويل لكنه يتمتع بطاقة كبيرة يمكن استغلالها في أنشطة بناءة لو فهمنا احتياجات كل نوع لشجعنا أبناءنا على اكتشاف أنفسهم بدلا من محاربتها من المفيد أيضا أن يرى الأبناء كيف يتعامل الأهل مع اختلافاتهم هم شخصيا فحين يرى الطفل والده ووالدته يتقبلان اختلاف بعضهما البعض ويحترمانه يتعلم أن التنوع ليس تهديدا بل إثراء لحياته الاختلاف بين الأبناء يمكن أن يكون أساسا لبناء فريق متكامل داخل الأسرة كل فرد فيه يكمّل الآخر لا يشبهه تماما لكنه يعينه ويدعمه حين نعزز هذا المفهوم ينمو الأبناء وهم يقدرون التعددية ويحترمون الفروق ويبتعدون عن التنافس غير الصحي كما أن اختلاف الأبناء يفتح الباب أمام الوالدين لتطوير مهارات جديدة في التربية فهما يضطران للبحث والتعلم واكتشاف أساليب متنوعة تناسب كل ابن على حدة وهذا يمنحهما خبرة واسعة ويجعل العلاقة مع الأبناء أكثر عمقا وفي الواقع فإن الأبناء أنفسهم يتعلمون من بعضهم البعض من خلال اختلافاتهم فالابن المنظم قد يساعد أخاه الفوضوي على ترتيب أشيائه والابن الحساس قد يعيد لأخيه الجاف بعضا من روح التعاطف والتفهم هذه التفاعلات اليومية تخلق مواقف تربوية لا تقدر بثمن أيضا عندما يقارن الأب أو الأم بين الأبناء دون وعي فإنه يقتل روح الثقة في النفس لدى البعض ويخلق شعورا بالدونية أو الغيرة لذا من المهم أن يركز الوالدان على تقدير كل طفل بذاته دون مقارنته بغيره ولعل من أبرز ثمار تقبل الاختلاف بين الأبناء هو بناء جيل أكثر وعيا وتفهما للناس المختلفين عنه في المدرسة والعمل والمجتمع جيل لا ينفر من الآخر لأنه لا يشبهه بل يسعى لفهمه والتعاون معه إن الاستفادة من اختلاف الأبناء لا تعني فقط القبول بل تعني الاستغلال الإيجابي لهذه الفروق لصالح النمو والتكامل داخل الأسرة وهذا يتطلب وعيا وصبرا ومراقبة دائمة للتغيرات التي تطرأ على شخصيات الأبناء مع الوقت ومع كل مرحلة عمرية يمر بها الطفل تظهر ملامح جديدة في شخصيته وهنا تظهر أهمية المتابعة المستمرة من قبل الأهل ليعرفوا كيف يتعاملون مع هذه المراحل بما يتناسب مع خصائص كل ابن  أن اختلاف الأبناء هو نعمة كبيرة إذا أحسنّا التعامل معها فهي تساعدنا على أن نكون آباء وأمهات أكثر حكمة ووعيا وتمنح أبناءنا فرصة ليكونوا أكثر اتزانا وقوة واستقلالا في شخصياتهم من الأمثلة الواقعية التي تعكس أهمية الاستفادة من اختلاف الأبناء أن إحدى الأمهات لاحظت أن ابنها الأكبر يحب الجلوس لساعات مع الكتب بينما أخاه الأصغر لا يطيق الجلوس أكثر من دقائق أمام أي مهمة دراسية في البداية كانت تقارن بينهما وتشعر بالإحباط من الأصغر لكنها بعد فترة بدأت تلاحظ أن هذا الابن يبدع في الأنشطة الحركية ويتمتع بقدرة عالية على التركيز حين تكون المهمة عملية وليست نظرية فبدأت تنوع أساليب التعلم له وسمحت له بالتعلم من خلال اللعب والمجسمات فتحسن تحصيله الدراسي بشكل ملحوظ وفي حالة أخرى كان أحد الأبناء يعاني من صعوبة في تكوين صداقات جديدة وكان دائم التوتر في التجمعات الاجتماعية بينما أخته الصغيرة كانت اجتماعية بطبعها وتحظى بشعبية كبيرة بين أقرانها بدلا من السخرية من الطفل الخجول أو إجباره على التفاعل قام الأب بتشجيعه بهدوء على حضور مجموعات صغيرة أولا ثم زادت تدريجيا وطلب من أخته أن تساعده بأن تدمجه بطريقة غير مباشرة وفعلا مع الوقت أصبح أكثر ثقة بنفسه دون أن يشعر بالإجبار أيضا هناك أب لاحظ أن أحد أبنائه يعشق التكنولوجيا ويقضي وقتا طويلا أمام الأجهزة بينما أخوه يفضل العمل اليدوي ويحب الزراعة والرسم فبدلا من منع استخدام التكنولوجيا أو ترك الأمر دون تنظيم قام الأب بتخصيص وقت للابن المهتم بالأجهزة ليطور مهاراته في البرمجة وصناعة الألعاب وشجع الآخر على زراعة بعض النباتات في الشرفة وشاركهما في أنشطتهما المختلفة فشعر كل طفل بأنه محبوب ومقبول كما هو وفي أحد البيوت كانت البنت الكبرى منظمة جدا وتهتم بالتفاصيل وتحرص على تنفيذ المهام بدقة بينما أخوها الأصغر لا يعبأ بالنظام وينسى كثيرا من مسؤولياته فكان الخلاف بينهما متكررا ولكن الأم جلست معهما وأوضحت أن كل منهما عنده نقاط قوة مختلفة وأن التنظيم الذي تتميز به البنت يمكن أن يفيد أخاها بينما روح التلقائية والمرونة عند الأخ قد تساعد أخته على أن تخفف من توترها فبدأ كل منهما يرى الآخر بنظرة مختلفة وقل التوتر بينهما وهكذا تظهر أهمية أن يفهم الأهل أبناءهم بعمق ويستثمروا الاختلافات لصالح الجميع فكل طفل يحمل هدية مختلفة للعائلة والذكي من يكتشفها مبكرا


تعليقات