دكتورة أسماء محمد سعد تكتب: مدخل إلى التساؤل عن الألم والمعاناة

كثير من الناس في لحظات الانكسار والانهيار يسألون سؤالا يتكرر في القلوب قبل الالسنة لماذا تفعل بي هذا يا الله لماذا انا ولماذا الان ولماذا بهذا الشكل المؤلم قد لا يقال هذا بصوت عال لكنه يدور في النفس ويؤلم القلب ويزيد الجرح عمقا

بين الايمان والانفعال:

في تلك اللحظات لا يتحدث الانسان من عقل راجح ولا من فهم ديني عميق بل من عاطفة جريحة وغضب داخلي وارتباك نفسي لذلك فان السؤال ليس بالضرورة دليلا على ضعف الايمان بقدر ما هو تعبير عن الالم الذي لا يجد له الانسان مخرجا فيلجأ الى اعلى جهة يعلم بوجودها فيسألها من شدة ضعفه

خطورة التمادي في التساؤل:

لكن الخطر الحقيقي لا يكمن في لحظة السؤال المؤلم بل في التمادي فيه وفي تحويله الى حالة ذهنية مستمرة تجعل الانسان يعيش دور الضحية ويشعر ان الكون ضده وان الله يعامله بقسوة وهنا تبدأ المعاناة النفسية الحقيقية التي تتغلغل في العقل وتفسد الشعور بالامان والثقة

كيف يؤثر هذا على الصحة النفسية:

عندما يشعر الانسان ان الله يعاقبه او يهمله او لا يحبه تبدأ مشاعر الخوف والحزن والذنب تتراكم داخله فيشعر بالقلق المزمن والانفصال الروحي وقد يدخل في نوبات اكتئاب لا يعرف لها سببا واضحا لانه يظن ان كل شيء يحدث له هو عقاب الهي فيخاف من الغد ويندم على الماضي ويعجز عن الحاضر

متى يصبح السؤال مرضا نفسيا:

اذا اصبح سؤال لماذا تفعل بي هذا يا الله حالة يومية تسيطر على الذهن وتتحكم في طريقة التفكير فهنا يبدأ المرض النفسي في التشكل لان الانسان لا يعود يرى الخير ولا يثق بالرحمة بل يرى كل حدث من حوله على انه رسالة غضب من السماء وحينها يفقد الشعور بالراحة والاتزان الداخلي

الفرق بين التساؤل المشروع والشك المدمر:

لا مانع من ان يسأل الانسان ربه عن حكمة ما يجري فهذا ما فعله الانبياء والصالحون ولكن دون اتهام ودون ظن سوء فهناك فرق كبير بين من يسأل من باب الضعف وبين من يسأل من باب الاتهام لان الثاني يشق طريقا مظلما في النفس ويجر صاحبه الى شعور دائم بالمرارة

الاسلام يعلمنا كيف نتعامل مع الالم:

الاسلام لا يطلب من الانسان ان يكون جامدا امام الالم بل يوجهه الى الصبر والدعاء والتسليم مع الاجتهاد في التغيير والبحث عن الحكمة لذلك فان من يعيش بالايمان يعلم ان البلاء جزء من الطريق وليس نهاية الطريق وان كل ما يجري له هو اما ابتلاء لرفع الدرجات او تطهير للذنوب او دفع لما هو اشد

تأثير التفسير الخاطئ للاحداث:

كثيرا ما يعاني الناس لانهم يفسرون ما يجري لهم تفسيرا خاطئا فيظنون ان تأخر الرزق دليل غضب وان المرض عقوبة وان الفقد رفض من الله لهم وهذا الفهم هو ما يخلق الكآبة لان النفس اذا فسرت المصائب بشكل سلبي ظلت تكرر السؤال المؤلم بلا نهاية

كيف نعيد برمجة افكارنا:

حتى ننجو من هذا الشعور علينا ان نعيد برمجة افكارنا وان نغير طريقة تفسيرنا للاحداث وان نذكر ان البلاء لا يعني الكره وان الراحة لا تعني الرضا وان هناك من يبتلى وهم احب الخلق الى الله وان الصبر لا يعني الضعف بل هو اعلى مراتب القوة النفسية

الابتعاد عن المقارنات المؤذية:

احد اسباب التساؤل المدمر هو مقارنة النفس بالاخرين فنرى من هم افضل حالا وننسى من هم اشد ابتلاء فنتساءل لماذا لا نعيش مثلهم دون ان ندرك اننا لا نعلم ما يخفونه ولا ما يعانونه وان الله يوزع البلاء والراحة بحكمة لا نراها نحن

الايمان ليس ضمانا لراحة دائمة:

يعتقد بعض الناس ان الايمان يعني حياة بلا الم وهذا غير صحيح فالايمان لا يمنع البلاء لكنه يمنحك القوة لتحمله والايمان لا يضمن الراحة لكنه يمنحك الطمأنينة حتى في اشد اللحظات قسوة لذلك فالسؤال الصحيح ليس لماذا تفعل بي هذا يا الله بل كيف انجح فيما تريده مني يا الله

من المهم ان ننتبه ان التساؤل المؤلم المستمر تجاه الله يمكن ان يتحول الى خطر على النفس اذا لم يعالج بالايمان والفهم الصحيح والدعم النفسي ولذلك فان مراجعة النفس واللجوء الى اهل العلم والحديث مع مختص نفسي مؤمن قد يكون بداية طريق التعافي من هذا الشرخ النفسي الذي يبدأ بسؤال لكنه قد لا ينتهي الا بظلمة داخلية لا يشعر بها الا صاحبها.

تعليقات