امش حيث تزهر قدماك..دكتورة نجية الشياظمي

تزهر أقدامنا حينما نمشي على أرض تعترف بعطائنا لها و تمتن له ، أرض خصبة كريمة تتقبل العطاء و المنح و تباركه ، فتصبح عطايا لا تتوقف ، تزهر مع كل قطرة غيث و مدح و ثناء. 
هذه الأرض هي أكثر ما يستحق أن نبذل فيها و معها مجهودا كي تستمر خطواتنا فيها و يستمر عطاؤنا ، رغم علمنا بأن كل شيء قد يُنسى يوما ما ، قد تصبح تلك الأرض التي طالما رويناها بدمنا و دموعنا ، قاحلة جرداء ، لا زهر و لا خضرة عليها مع أننا بذلنا الكثير لأجلها ، و هكذا قد نحزن ، نبكي و نصاب بالإحباط فنقسم لأنفسنا ألا نعيد الكرة ثانية ، ألا نتحرك قيد أنملة ، و ما الداعي لذلك التعب الذي يذهب سدى و هباء ؟ لكن الطبع يصعب تغييره و التخلص منه و الانسلاخ عنه . فما نفتأ أن نعود لما أقسمنا الانقطاع عنه و الابتعاد .
هكذا هي العلاقات البشرية ، أراض شاسعة ممتدة الأطراف ما بين خصب معطاء و قاحل مجدب ، و ما بين كريم و بخيل ، دافئ و بارد جامد . نعطي و ننتظر ، و قد نأخذ نحن أيضا فننسى و ننتظر . لكن من يتفقد حديقته دائما لا بد و أن يكتشف أين كان تقصيره و إفراطه فيما يمنح أو يمنع ، نحن لا نرمي البذور و ننساها ، لا نترك الأشواك تنافس الزهور  فتقضي عليها . كالأرض تماما ، نمنح عناية و اهتماما ، سقيا و مجهودا . و من يعتقد أن الثمار الحلوة تأتي بسهولة لمجرد زرع شتيلة مخطئ تماما . 
فكل شجرة فخمة نراها ، و كل ثمرة حلوة نقطفها ، وراءها تعب و عرق متواصل ، و كل من يود جني الحلو دون تذوق المر ، دون تعب و كد و جد ، سيجني فعلا ، لكنه سيجني غير ما كان يتوقع ، لن يجني الجودة و لا الحلاوة التي ظل في انتظارها دون بذل أي مجهود ، أو ربما بذل القليل مما كان يستطيعه و يقدر عليه لكنه تكاسل و تقاعس و اعتبر مجهوده غير ضروري ، و أن ما ينتظره لا يستحق كل ذلك العناء . هنا تحدث الكارثة حينما يتوقف الغيث و يتوقف الإزهار ، و يصبح كل شيء خرابا ، حتى ما كان فيما مضى أخضر يانعا متعدد الألوان ، يذبل كل شيء و ينتهي .
و حينما نود إعادة الوضع الى ما كان عليه سابقا ، نعجز و يصعب علينا الأمر ، فنندم لو كنا تابعنا تلك العناية و الاهتمام حتى لا نضطر لإعادة بناء كل شيء من الأساس مرة أخرى ، قد نستطيع إعادة البناء و قد نعجز ، لكن ما نخسره هو ذلك العناء و المجهود الذي كنا عليه في البداية ، و تلك الأماني التي كنا نعقدها و كل ما يليها . فجأة كل شيء يصبح حطاما و رمادا و فٓناء لا جدوى منها . و نحن نعلم علم اليقين كلما حدث و كل أسبابه حتى لو أنكرنا في البداية كل ذلك ، لا بد أن نتذكر و نعترف فهذا أقل واجب نقوم به تجاه أنفسنا كي نختار المسار الصحيح بعد ذلك.
تعليقات