نعم كلنا عابرو سبيل في حياة بعضنا البعض عن قصد أو حتى عن غير قصد ، حتى أولئك الذين أقسموا لنا بالشمس و القمر ، و الذين راهنوا على ترويض القدر . وضعتنا الحياة حيث اعتقدنا أننا ذاهبون باختيارنا ، في الوقت الذي أبعِتدنا فيه عمن اخترنا ، هكذا نكتشف بعد تعب طويل ، بعد جدال عقيم ، أننا كنا مجرد مقابلات عابرة ، مكالمات فاترة أحيانا و أحيانا صاخبة ، و في النهاية افترقنا و ذهب كل في طريقه ، يبحث من جديد ، و حتى دون أن يبحث ، سيجد في طريقه عابرا آخر كان في انتظار وصوله كي يعتقد هو بدوره أيضا أنه بحث و اجتهد و وجد . ندور في فلك الرغبة في الاستقرار ، و ننسى أن عدم الاستقرار هو سنة هذا الكون . فكيف نستقر فوق أرض باطنها غير مستقر : حمم ملتهبة تبحث عن استقرار فلا تجد غايتها حتى تزلزل الأرض و تعيد تموضع القارات من جديد على وجهها ، و نحن بحجمنا الذي لا يكاد يذكر ، و بضعفنا الذي نتفادى بكل قوة ألا يظهر ، ننسى ، نعتقد و ندعي و نعد وعودا غالبا ما تذهب أدراج الرياح ، فقد كنا واهمين ، متخيلين أننا نملك زمام أمورنا ، أننا نتحكم ، نسيطر ، و في نهاية الأمر لا شيء بين أيدينا ، سوى الوهم و الفراغ ، سوى ذكريات ، صور و محادثات ، غاب أصحابها عنا ، و بقينا نتفقدهم في خيالنا ، رحلوا و تركوا لنا الوعود ، نسوا هم أيضا أنه لا استقرار إلا لأرواحنا حينما تعود لمصدرها الحقيقي.
دكتورة نجية الشياظمي تكتب: كلنا عابرو سبيل يا صديقي
تعليقات