هذا اليوم حينما توقف هاتفي ، أحسست بضيق شديد ، فقد تعودت على تصفحه و استعماله طول الوقت . و تذكرت فجأة ذلك الكتاب الذي كنت قد اشتريته منذ زمن بعيد ، لكنني وضعته في الخزانة و نسيته بعد أن قرأت منه بضع صفحات فقط . لم أعد إلى قراءته مجددا ، و كيف أعود و الهاتف لا يفارقني و أجد عليه كل ما أحتاج إليه . نهضت بسرعة من مكاني فقد كنت أحس بفراغ شديد و وحدة قاتلة . و مع أنني كنت لا زلت أعيش في نفس الظروف . هرعت إلى خزانة الكتب و تناولت الكتاب المهجور ، قلبت صفحاته و أحسست كأنه يشكو مني و يشتكي ، عدت للصفحات الأولى منه تلك التي كنت قد قرأتها سابقا ، وجدتني و كأنني لم يسبق لي فتحه من قبل نهائيا ، فأول قراءة لأي كتاب تكون مجرد تعرف عليه في البداية ، لكن قراءته ثانية و ثالثة ، هذا فقط ما يجعلنا نتأمل و نركز و نسجل و نستفيد مما نقرأه . و كم من الكتب نقرأها و نتباهى بقراءتها لكننا في الحقيقة لا نتذكر منها شيئا .
اكتشفت هذا اليوم أن الحياة حينما تجبرنا على التخلي عن شيء ما ، فلأن هناك ما هو أفضل ، لكننا لا نعيره اهتماما ، فلولا توقف هاتفي عن الاشتغال لما عدت لكتابي القديم كي أقرأه ، و هكذا نحتاج دائما إلى التغيير ، الى الخروج من أسلوب التعود , كالتعود على كل الموارد التي نتوفر عليها و نعتبرها شيئا لم تعد له نفس القيمة كما كانت من قبل ، فحينما تشح السماء بمياهها نتذكر توفير الماء و المحافظة عليه ، و حينما تنقطع الكهرباء ، نعود لنور الشموع و جمال إضاءتها ، و حينما تلتهب الأسعار نلجأ الى اكتشاف وصفات جديدة بسيطة و مغذية و غير مكلفة . و هكذا نعود دائما الى تذكر أشياء فقدت قيمتها في أعيننا ، لكننا حينما نضطر الى العودة لها ، نكتشف أننا كنا مخطئين حينما أهملناها .
و هكذا نجد في كل عقبة و صعوبة خيرا ، يذكرنا بأن علينا العودة دائما إلى ما فقد قيمته في أعيننا . فربما ذلك هو ما نحتاجة تماما في ذلك الوقت .