يعد من القضايا النفسية والاجتماعية التي تستحق اهتماما كبيرا في مجتمعاتنا الحديثة حيث يمر المراهق بمرحلة انتقالية حساسة بين الطفولة والرشد وهي مرحلة تمتاز بالتغيرات النفسية والجسدية والاجتماعية التي تؤثر بشكل عميق على سلوكه وتفكيره وعلاقاته بالآخرين ويبدأ المراهق في البحث عن الهوية والانتماء والحب والتقدير وهو في أمس الحاجة إلى الدعم العاطفي من أسرته ومحيطه الاجتماعي ولكن في كثير من الأحيان لا يجد هذا الدعم مما يؤدي إلى شعوره بالوحدة والفراغ الداخلي الذي قد يتطور إلى مشاكل نفسية وسلوكية خطيرة ويعد غياب الحوار الأسري الداعم من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى نشوء هذا الفراغ حيث يفتقد المراهق إلى من يسمعه ويفهمه ويشاركه مشاعره وهمومه ويجد نفسه في صراع داخلي بين حاجته إلى الاستقلال وبين حاجته إلى الاحتواء والتوجيه كما أن ضعف العلاقة بين الآباء والأبناء وغياب الحنان والتقدير يجعل المراهق يشعر بعدم الأهمية واللامبالاة وتزيد وسائل التواصل الاجتماعي من حدة هذا الفراغ حيث تمنح المراهق اتصالا سطحيا بالآخرين دون تواصل عميق أو دعم حقيقي وقد يبحث المراهق عن تعويض هذا النقص من خلال إقامة علاقات عاطفية غير ناضجة أو تقليد سلوكيات خطيرة بحثا عن الاهتمام والقبول كما أن بعض المراهقين قد يلجؤون إلى العزلة أو الاكتئاب أو حتى إيذاء النفس كوسيلة للتعبير عن ألمهم الداخلي وعدم قدرتهم على مواجهة مشاعرهم وغالبا ما يغيب وعي الأسرة والمجتمع عن فهم هذه التصرفات وربطها بالجوع العاطفي غير المشبع مما يجعل الاستجابة للمشكلة سطحية أو متأخرة ومن المهم أن نعي أن المراهق لا يحتاج فقط إلى الطعام والملابس والتعليم بل أيضا إلى الحب غير المشروط والاهتمام الصادق والحوار المفتوح والتقدير لمشاعره وأفكاره ويجب على الوالدين أن يكونا حاضرين في حياة أبنائهم ليس فقط كمرشدين بل كأصدقاء يشاركونهم تفاصيل يومهم ويصغون إليهم دون إصدار أحكام كما أن للمدرسة دورا مهما في دعم الصحة النفسية للمراهق من خلال توفير بيئة آمنة ومحفزة يشعر فيها بالانتماء والتقدير وتعد الأنشطة المدرسية والبرامج الإرشادية أدوات فعالة لتفريغ الطاقات وتعزيز الثقة بالنفس لدى المراهقين ويجب على المجتمع أن يتعامل مع مشاعر المراهق بجدية وألا يقلل من شأنها أو يستهزئ بها لأن الاستهانة بالمشاعر قد تترك آثارا نفسية عميقة يصعب علاجها لاحقا ويجب أن ندرك أن المراهق إذا لم يجد العاطفة في محيطه القريب فسوف يبحث عنها في أماكن أخرى قد تكون مضرة وقد تقوده إلى استغلال عاطفي أو انحراف سلوكي وقد يحاول البعض سد هذا الفراغ بالانغماس في عالم الإنترنت أو ألعاب الفيديو أو الهروب إلى عالم الخيال كتعويض عن الواقع المؤلم الذي يعيشه ويزيد ذلك من بعده عن أسرته ومجتمعه ويزيد من شعوره بالغربة والوحدة ويكمن الحل في بناء جسور من الثقة والحب بين المراهق وأسرته وتعزيز الحوار والتفاهم بعيدا عن أسلوب الأوامر والنقد كما يجب تعليم الأبناء التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية وتعليمهم مهارات التعامل مع الضغوط والصراعات بطريقة ناضجة ولا يمكننا تجاهل دور الإعلام في تشكيل وعي المراهقين حيث تعرض بعض الوسائل الإعلامية صورا مضللة عن الحب والعلاقات مما يزيد من تشويش المراهق ويدفعه إلى تبني تصورات خاطئة عن العاطفة والارتباط لذلك من المهم توعية المراهقين وتمكينهم من التفكير النقدي وتمييز ما هو واقعي وصحي مما هو زائف ومؤذ ويجب أن يعمل الجميع من الأسرة والمدرسة والإعلام والجهات المختصة على توفير بيئة داعمة تراعي احتياجات المراهقين النفسية والعاطفية وتساعدهم على بناء هوية قوية ومتزنة وتوجههم نحو استخدام طاقاتهم بشكل إيجابي يخدم أنفسهم ومجتمعهم فالفراغ العاطفي ليس مجرد مشكلة شخصية بل هو تحد مجتمعي يتطلب تكاتف الجميع لحله ومواجهته بحكمة ووعي.
الفراغ العاطفي عند المراهقين..بقلم الدكتورة/أسماء محمد سعد
تعليقات