متلازمة لف الشعر عند المراهقين
بقلم د. أسماء
محمد سعد
استشارية صحة نفسية وتربية وإرشاد أسري
تعد متلازمة لف الشعر من العادات السلوكية الشائعة بين المراهقين
وخاصة الفتيات وتظهر غالبا في مرحلة البلوغ أو بدايات المراهقة وهي عادة تبدو
بسيطة في ظاهرها ولكنها قد تؤدي إلى مشكلات نفسية واجتماعية وصحية على المدى
الطويل.
يتمثل هذا السلوك في قيام المراهق بلف شعره حول أصابعه أو شده أو
اللعب به بشكل متكرر وقد يتحول هذا السلوك إلى عادة قهرية يقوم بها الفرد لا
إراديا وقد يستخدمها كوسيلة للهروب من التوتر أو القلق أو الفراغ أو حتى كنوع من
الراحة النفسية.
غالبا لا يكون المراهق واعيا بما يقوم به من تصرفات مما يصعب على
الأهل والمحيطين به ملاحظة الأمر في بدايته وقد يظنون أن هذه العادة مؤقتة أو مجرد
تصرف عابر لا يستدعي القلق ، لكن في الحقيقة قد تكون هذه المتلازمة مرتبطة
باضطرابات نفسية أعمق مثل اضطراب الوسواس القهري أو اضطرابات القلق أو حتى
الاكتئاب خاصة إذا ترافقت مع أعراض أخرى مثل الانسحاب الاجتماعي أو فقدان الاهتمام
بالأشياء. وقد يؤدي تكرار هذا السلوك إلى أضرار جسدية مثل تساقط الشعر أو ظهور
فراغات واضحة في فروة الرأس أو التهابات في الجلد وقد يصل الأمر في بعض الحالات
الشديدة إلى حدوث صلع موضعي يصعب علاجه.
كما يؤثر هذا السلوك على الجانب الاجتماعي للمراهق حيث قد يتعرض
للسخرية أو التنمر من زملائه في المدرسة أو المجتمع مما يؤدي إلى انخفاض ثقته
بنفسه وشعوره بالإحراج والانزعاج.
العلاج يبدأ أولا بفهم الأسباب النفسية التي تدفع المراهق إلى
ممارسة هذا السلوك إذ إن مجرد محاولة منعه دون فهم الدوافع قد تؤدي إلى نتائج
عكسية وتزيد من توتره وبالتالي تكرار السلوك.
من أنجح وسائل العلاج استخدام بدائل تساعد المراهق على تفريغ
التوتر مثل استخدام كرة ضغط أو أدوات يدوية تساعد على الإلهاء كما أن ممارسة
التمارين الرياضية أو تقنيات الاسترخاء المنتظم لها دور إيجابي كبير.
ويعد العلاج السلوكي المعرفي من أنجح الطرق المستخدمة في هذا النوع من المشكلات
حيث يساعد المراهق على التعرف إلى أفكاره ومشاعره المرتبطة بالسلوك وتعلم طرق
جديدة للتعامل مع التوتر.
الدعم الأسري يلعب دورا محوريا في نجاح العلاج إذ يحتاج المراهق إلى
التفهم والاحتواء لا إلى التوبيخ أو اللوم ويجب على الأهل توفير بيئة آمنة تساعده
على الحديث عن مشاعره دون خوف. كما يجب على المدرسة أن تكون طرفا فعالا في
الملاحظة والتوجيه حيث إن بعض المراهقين يمارسون هذا السلوك أثناء الدروس أو فترات
الامتحانات ويجب على المعلمين أن يكونوا على وعي كاف بمثل هذه الحالات.
من المهم أن ندرك أن متلازمة لف الشعر ليست سلوكا سخيفا أو دلالا
زائدا كما يعتقد البعض بل هي نداء داخلي لطلب المساعدة ووسيلة غير مباشرة للتعبير
عن المشاعر المكبوتة أو التوتر النفسي.
المراهق في كثير من الأحيان لا يستطيع التعبير عن مشاعره بالكلمات
ولذلك يلجأ إلى سلوكيات معينة ليعبر بها عن قلقه أو حزنه أو غضبه أو حتى شعوره
بالوحدة والضغط النفسي.
يجب تدريب المراهق على ملاحظة نفسه وتسجيل المواقف التي يشعر
فيها بالحاجة إلى لف شعره لأن الوعي الذاتي يعد أول خطوة على طريق العلاج ويساعد
على بناء التحكم الذاتي.
من الممكن أن يساعد الأهل في تسجيل الأوقات أو الظروف التي يظهر
فيها هذا السلوك مما يساعد الأخصائي النفسي على تحليل النمط وتقديم خطة علاجية
مناسبة.
في بعض الحالات قد يحتاج المراهق إلى تدخل دوائي وذلك في حالة وجود
اضطرابات نفسية مصاحبة ولكن هذا القرار لا بد أن يكون تحت إشراف طبي متخصص ومتابعة
منتظمة ، ولا توجد خطة علاجية واحدة تصلح لجميع المراهقين إذ تختلف الأسباب
والدوافع من شخص إلى آخر لذلك من الضروري تصميم خطة فردية تتناسب مع طبيعة كل حالة
وظروفها الخاصة.
من المهم أن يتم تعزيز التقدم مهما كان بسيطا وأن يشعر المراهق
بالفخر بكل خطوة ينجح في تحقيقها لأن التشجيع المستمر يزيد من ثقته بنفسه ويمنحه
دافعا للاستمرار.
الاكتشاف المبكر لهذا السلوك يساعد بشكل كبير في الحد من تطوره
وتحوله إلى عادة مزمنة يصعب التخلص منها وهذا يتطلب يقظة ووعيا من الأسرة
والمعلمين والمحيطين بالمراهق.
كثير من المراهقين يتحسنون بسرعة عندما يشعرون بأنهم مسموعون
ومفهومون دون أحكام قاسية أو انتقادات جارحة وهذا يساعدهم على الانفتاح والحديث عن
مشكلاتهم.
الدعم النفسي سواء من الأسرة أو الأخصائي النفسي قد يكون هو العامل
الحاسم بين مراهق يواجه المشكلة وحده ومراهق يجد من يسنده ويدله على الطريق الصحيح.
علينا ألا نخجل من الاعتراف بوجود هذه المشكلات بل يجب أن نعتبرها
فرصة لفهم أبنائنا بشكل أعمق وتقديم يد العون لهم ليصبحوا أكثر قدرة على مواجهة
الحياة.
تبقى متلازمة لف الشعر واحدة
من السلوكيات التي قد تبدو بسيطة ولكنها تحمل خلفها رسالة نفسية عميقة تحتاج إلى
إصغاء وفهم ورعاية مستمرة.