ما أجمل العودة و الرجوع إلى من نحب و في كنفهم حتى لو كان ما نعود إليه مجرد أشياء أو حتى بقايا منها ، نحس بهذا بعد العودة من طول غياب و فراق ، قد يبدو الأمر مثيرا للدهشة و الاستغتراب و لكنها الحقيقة ... فقد يحتل كتاب أو قلم أو حتى قطعة أثاث من البيت تعودنا عليها مكانا مميزا في قلوبنا ، فنشتاق و نحن إليها. و ما هذا الاحساس إلا تعبير عن المودة و الإخلاص اتجاه من يستحق ذلك .
وهذه صفة لا يمكن أن يتصف بها إلا ذو مشاعر جياشه و أحاسيس مرهفة ، و صدق و إخلاص في علاقاته بالآخرين ، فمن منا لم يجرب بعد عودته من السفر مثلا إحساسه بالفرح و البهجة لمجرد لقائه و رجوعه إلى مكتبه أو سريره أو حتى كرسيه الذي تعود الجلوس عليه ، و يبدو هذا جليا واضحا من خلال تصرفات الأطفال ، هذه المخلوقات التي تعبر بكل بساطة و نقاء و براءة عما تحس به ، دون تزوير و لا مراوغة لصدق مشاعرها ، فتكلم الدمى و الألعاب و كأنها كائنات حية تتنفس و تتفاعل . من ينكر هذا ؟...
قد يبدو الأمر مجرد هراء ،لكنها الحقيقة فللأشياء شخصيات و أرواح أيضا مثلما للبشر تماما . من ينكر قصة جذع الشجرة الذي حزن و تألم من بعده عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، أو لا يكفي هذا دليلا على صدق تبادل الأحاسيس و المشاعر مع الأشياء و ربما المحبة و الكره أيضا ، و خير دليل على ذلك ما نتعامل به من لين أو قسوة حتى مع أبسط الأشياء و ما اللين إلا تعبير عن الرقة و المحبة ، و ما القسوة إلا دليل على عكس ذلك .
تعودنا أن ننكر و نتجاهل كل ما يتعذر علينا تفسيره ، لا لسبب سوى أن الإنسان تعود على أنه سيد هذا الكون بعقله و علمه و معرفته و غاب عن ذهنه أنه مهما بلغت درجة علمه فإنها لا تغدو أن تكون مجرد قطرة في محيط واسع و شاسع من العلوم و المعارف . و إنكار ما نجهل تفسيره استمرار في ممارسة الجهل ، و ما وصلت إليه البشرية من تقدم و اختراعات لم يتحقق إلا بسبب البحث و الاجتهاد من أجل الوصول إلى حقيقة ما كانت تجهله غير أنها تجاوزت مرحلة الإنكار إلى مرحلة الاجتهاد البحث من أجل تقديم الحجة و البرهان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق