.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

حد الردة في الشريعة الإسلامية..بقلم الدكتور محمد السيد أبوالغيط

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم :
ماذا تعرف عن حد الردة في الشريعة الإسلامية ؟

قضية قتل المرتد غير مطبقة في الواقع العملي المعيشي، ووجودها في المصادر التشريعية لم يكن عقوبة ضد حرية الفكر والعقيدة، وإنما تخضع للقانون الإداري والخروج على الإسلام الذى يعد جرمًا ضد النظام العام في الدولة، كما أنه خروج على أحكام الدين الذى تعتنقه الأمة، ويعتبر حينذاك مرادفًا لجريمة الخيانة العظمى التي تحرمها كل الشرائع والدساتير والقوانين ، وهذا هو الذي فهمه الفقهاء .
وقد اختلف الفقهاء في مدة استتابة المرتد على ثلاثة أقوال مشهورة :
القول الأول : يمهل ثلاثة أيام ، فإن تاب وإلا قتل ، وبهذا قال الحنفية والمالكية والشافعية في قول والحنابلة والشيعة الإمامية والزيدية والإباضية في قول.
القول الثاني: يستتاب في الحال، فإن تاب وإلا قتل، وبهذا قال الشافعية في الأصح والمعتمد عند الإباضية والظاهرية.
القول الثالث : يستتاب أبدًا دون قتل ، فإن أبى سجن ، روي ذلك عن عمر بن الخطاب حيث قال : فإن تابوا وإلا استودعتهم السجن ، وعن إبراهيم النخعي: يستتاب أبدًا ، قال سفيان الثوري: هذا الذي نأخذ به .
قال الدكتور / محمد بلتاجي حسن - رحمه الله ـ ( رئيس قسم الشريعة والعميد الأسبق لكلية دار العلوم ) :" وهذا الأثر عن عمر بن الخطاب يقوي اختيار النخعي بالاستتابة أبدًا ، لأن عمر في هذا الخبر لم يجعل لاستتابتهم أمدًا محددًا، أما وضعهم في السجن فخشية من لحوقهم بالأعداء والمعركة محتدمة... " .
وقال أيضًا : " ويبدو هذا راجحًا عندي لما يأتي :
أولًا : ليس في القرآن ولا في السنة النبوية الصحيحة تحديد ما لزمن الاستتابة ...
ثانيًا : مما يقوي عندي اختيار قول النخعي أننا عاصرنا أفرادًا من أبناء المسلمين جهروا في وقت ما بعقائد مخالفة لصحيح الإسلام وأخرج بعضهم كتبًا ودراسات في هذا الشأن ، ثم شاء الله تعالى لهم أن يعودوا عودًا قويًا إلى حظيرة الإسلام وأن يصبح بعضهم من أفضل المناضلين عنه عن بصيرة وفهم ، حيث تسلحوا بمقومات الضالين وأحاطوا بها وقت ضلالهم ، فلما هداهم الله تعالى للرجوع إلى الحق كانوا من أعظم المناضلين عنه ، ولله الحمد والمنة ، ولو أنه استعجل عليهم بالقتل لما كان في ذلك أية مصلحة ، بل كان فيه ضرر كبير من نواح عديدة ، فالأناة والرفق والمطاولة في الاستتابة إذن فيها خير كثير .
ثالثًا : إن ما تملكه الدولة الإسلامية والتيارات المثقفة فيها من قدرات على الحوار والمناقشة والجدال بالتي هي أحسن أفضل ضمان لتقليص أثر ما يذاع من ضلالات باطلة ، لأن الإسلام دين متين يحتوي الحق الأبلج الذي يحتاج في كل عصر لمن يوضحه ويشرح معالمه ، ويزيل ما يثار حوله من ضلالات وأكاذيب يبثها أعداؤه والجاهلون به ، ومتى وجد هؤلاء المناضلون عنه فإنهم لن يتركوا شبهة ما دون دراسة - بل دراسات - تزيلها وتقرر الحقيقة فيها ، فلا خوف على الإسلام مع هؤلاء مما يثيره أعداؤه من شبهات ".
وهذه المسألة دائمًا تثار من قبل غير المسلمين ليثبتوا أنه لا حرية عند المسلمين، فيمكن أن يجاب على ذلك بما سبق ، وقد قال الله تعالى : " لا إكْرَاهَ في الدِّينِ "( البقرة 256 ) ، وقال تعالى: " وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِين "( يونس99) ، وقال تعالى : " وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ "( الكهف 29)
( انظر : بدائع الصنائع 7/134 ، الفواكه الدواني 1/418، المهذب1/51 ، روضة الطالبين 2/147، المبدع 9/174 ، المغني 9/18 ، المحلى 11/ 191 ، فتح الباري 12/270 ، شرائع الإسلام 4/962، البحر الزخار 6/1425 ، شرح كتاب النيل 14/786، الجنايات وعقوباتها د/ بلتاجي ص 21 : 23 )

وفي إطار توضيحها لكل ما يثار حول الإسلام من شبهات، ردت دار الإفتاء المصرية على شبهة القول بقتل المرتد ؛ حيث جاء نص الشبهة :
حرية الاعتقاد مناط احترام الدين الإسلامي وهى حق مكفول للجميع ومتفق عليه، فكيف نفهم ذلك في ضوء شبهة قتل المرتد ؟.
وجاء الرد على الشبهة كما يلى :
تمثل قضية " قتل المرتد" في الفكر الغربي إشكالية كبيرة، فيظنون أن الإسلام يكره الناس حتى يتبعوه، ويغفلون عن دستور المسلمين في قضية حرية الاعتقاد التي يمثلها قوله تعالى:" لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" ( البقرة / 256 )
ويمكن النظر إلى قضية " قتل المرتد " من زاويتين :
الزاوية الأولى : هي النص الشرعي النظري الذى يبيح دم المسلم إذا ترك دينه وفارق الجماعة .
والثانية : هي التطبيق التشريعي ومنهج التعامل في قضية المرتد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك خلفائه - رضوان الله عليهم - .
فأما في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقتل عبد الله بن أُبىّ ، وقد قال: " لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ " ( المنافقون / 8 )
ولم يقتل ذا الخويصرة التميمي وقد قال له: " اعدل "، ولم يقتل من قال له : " يزعمون أنك تنهى عن الغي وتستخلي به " ، ولم يقتل القائل له : " إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله " ، ولم يقتل من قال له لما حكم للزبير بتقديمه في السقي: " أن كان ابن عمتك"، وغير هؤلاء ممن كان يبلغه عنهم أذى له وتنقص، وهى ألفاظ يرتد بها قائلها قطعًا ؛ لأنها اتهام للنبي - صلى الله عليه وسلم - بما في ذلك من تكذيب له بأمانته وعدله .
وقد كان في ترك قتل من ذكر وغيرهم مصالح عظيمة في حياته، وما زالت بعد موته من تأليف الناس وعدم تنفيرهم عنه؛ فإنه لو بلغهم أنه يقتل أصحابه لنفروا، وقد أشار إلى هذا بعينه ، وقال لعمر - رضى الله عنه - لما أشار عليه بقتل عبد الله بن أبيّ : « لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه » .
ولم يستخدم ما أباحه الله له في الانتقام من المنافقين ومعاقبتهم كما ورد في سورة الأحزاب قال تعالى:" لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا " ( الأحزاب 60 ، 61 )
وكذلك ما رواه جابر بن عبد الله أن أعرابيًا بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام، فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى الأعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: يا رسول الله، أقلني بيعتي، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جاءه ، فقال: أقلني بيعتي، فأبى، ثم جاءه، فقال: أقلني بيعتي، فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-: « إنما المدينة كالكير، تنفى خبثها، وينصع طيبها »، فهو لم يقتله، فلماذا لم يقتل كل أولئك الذين يصدق عليهم قول ربنا : " وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ " ؟ ( التوبة / 74 )
وأما في عهد الخلفاء، وبالتحديد في زمن الفاروق عمر - رضى الله عنه -، قال لأنس في الرهط الستة من بكر بن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام فلحقوا بالمشركين، وقتلوا في المعركة، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، قال له أنس: يا أمير المؤمنين، وهل كان سبيلهم إلا القتل؟ ، قال: نعم، كنت أعرض عليهم أن يدخلوا في الإسلام، فإن أبوا استودعتهم السجن، فلم ير عمر قتلهم بدءًا ، رغم أنهم ارتدوا وقاتلوا المسلمين ، لكنه رأى استتابتهم ، وإلا سجنهم .
كل تلك الوقائع التي كانت في عهد التشريع جعلت فقهاء المسلمين يفهمون أن مسألة " قتل المرتد " ليست مسألة مرتبطة بحرية العقيدة والفكر، ولا مرتبطة بالاضطهاد، وأن النصوص التي شددت في ذلك لم تعن الخروج من الإسلام بقدر ما عنت الخروج على الإسلام الذى يعد جرمًا ضد النظام العام في الدولة، كما أنه خروج على أحكام الدين الذى تعتنقه الأمة، ويعتبر حينذاك مرادفًا لجريمة الخيانة العظمى التي تحرمها كل الشرائع والدساتير والقوانين .
ويرى الشيخ شلتوت شيخ الجامع الأزهر الأسبق - رحمه الله - أن قتل المرتد ليس حدًا، فيقول: وقد يتغير وجه النظر في المسألة، إذ لوحظ أن كثيرًا من العلماء يرى أن الحدود لا تثبت بحديث الآحاد، وأن الكفر بنفسه ليس مبيحًا للدم، وإنما المبيح هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم، وأن ظواهر القرآن الكريم في كثير من الآيات تأبى الإكراه في الدين...
فقتل المرتد لم يكن لمجرد الارتداد، وإنما للإتيان بأمر زائد مما يفرق جماعة المسلمين، حيث يستخدمون الردة ليردوا المسلمين عن دينهم، فهي حرب في الدين كما قال تعالى: " وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون " ( آل عمران/72 )
ويؤيد ذلك - أيضًا - ما ذكره الشيخ ابن تيمية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قبل توبة جماعة من المرتدين، وأمر بقتل جماعة آخرين، ضموا إلى الردة أمورًا أخرى تتضمن الأذى والضرر للإسلام والمسلمين، مثل أمره بقتل مقيس بن حبابة يوم الفتح، لما ضم إلى ردته قتل المسلم وأخذ المال، ولم يتب قبل القدرة عليه، وأمر بقتل القرنيين لما ضموا إلى ردتهم مثل ذلك، وكذلك أمر بقتل ابن خطل لما ضم إلى ردته السب وقتل المسلم، وأمر بقتل ابن أبي السرح لما ضم إلى ردته الطعن والافتراء .
ومما سبق يتبين: أن " قضية قتل المرتد " غير مطبقة في الواقع العملي المعيشي، ووجودها في المصادر التشريعية لم يكن عقوبة ضد حرية الفكر والعقيدة، وإنما تخضع للقانون الإداري .

( بقلم د. محمد السيد أبوالغيط )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق