فن التجاوز..بقلم المبدعة الجزائرية/آمنة تباني

طالما كنت مولعة بقصص وأخبار اولئك العظماء المتجاوزون الذين لا يطيلون البقاء في محطات الانكسار ، ولا يطرقون سبل اللطم والمناحات الطويلة، أتساءل دائما عن سر قوتهم وقدرتهم على التخطي، والمضي السريع نحو مواصلة رحلة الحياة أكثر نضجا وقوة وثقة في النفس، حتى أيقنت أخيرا أن التعافي فن من فنون الحياة لا يتقنه سوى من اتقد وعيه واستوت نفسه في أتون المحن والصدمات.

أدرك يقين الإدراك أن رص النصائح ذات الترف البلاغي وحشد الحكم والمأثورات لا يمكن أن يكون علاجا عمليا لمن عصفت بهم التجارب القاسية، لكنني بالمقابل مؤمنة أن التعافي رحلة استشفائية تنطلق من دواخلنا ، ومهما اختلفت التجارب الإنسانية وردود الأفعال وأصداء التأثر يبقى للتعافي مدخل واحد هو تقبل فكرة بوار تربة الماضي، وأن الحرث فيها استنزاف للنفس والروح وهدر للوقت، وهذه الخطوة ولابد تحتاج إلى نزال عنيف بين القلب والعقل جولته الأخيرة لصالح الأخير ..وهنا نكون قد وصلنا إلى الضفة الأخرى من التفكير السليم ، عندما ترسو أنفسنا على مرفأ السلام الداخلي وبطبيعة الحال لا سلام دون أن نجعل من التسامح والصفح عن أنفسنا أو عمن تسببوا في انكساراتنا مبدأنا، ونتوقف عن اجترار احداث الماضي ، وتغذية الضغائن والرغبة في الانتقام ، فكلها استجابات سلبية تثبط العزيمة ، وتهدم الثقة في النفس، وتقود الى الفشل في جميع مجالات الحياة، وهنا لابد من التوقف عند فكرة غاية في الأهمية هي أن تجاوز المحن والإنكسارات تعني النسيان التام للماضي، إنما النجاح الحقيقي نصله عندما نتذكر كل التفاصيل التي سببت آلامنا العميقة دون أن نهتز أو ننفعل، بل نكتفي بالتقاط واع نفعي للدروس والعبر ثم نمضي لنكون ابناء اللحظة التي لا نملك غيرها، لأن المستقبل مجهول والخوض فيه ومحاولة التكهن بأحداثه ورهاب حدوث السيناريوهات المختلفة لآمالنا استنزاف نفسي مدمر ، فالأجدر بنا إذن تحصين أنفسنا بقوة الايمان وحسن الظن بالله وبذل الأسباب والطموح لغد أفضل.
آمنة تباني

تعليقات