التلوث السمعي..بقلم أ.نزهة صفي

يشكل التلوث السمعي ، أو ما يُعرف بـ الضوضاء ، أحد أخطر الملوثات البيئية التي تُهدد صحة الإنسان وجودة حياته، ويأتي في المرتبة الرابعة بعد تلوث الماء والهواء والنفايات الصلبة. وعلى الرغم من أنه لا يملك لوناً ولا رائحة، إلا أن تأثيره الضار يطال الجميع.
و لا يقتصر التلوث السمعي على الأصوات المادية والضوضاء المزعجة فحسب، بل يمتد ليطال جودة اللغة المتداولة في الأحاديث اليومية، أو ما يمكن تسميته بـ "التلوث السمعي اللغوي".
لقد أصبحنا نشهد انتشارا مقلقا للغة القبيحة، والألفاظ الخادشة للحياء، والشتائم البذيئة في أحاديث الناس، سواء في الشوارع، أو في وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى في التجمعات العائلية والمهنية أحيانا.
لقد مات الضمير و ماتت الأخلاق فمات الحس الإنساني
فالكلام السوقي المنحط و الخادش للحياء، أصبح متداولا من طرف الصغار و الشباب و حتى الكبار، في كل الأمكنة العمومية: في الأسواق، في المواصلات، في الشارع،في أبواب المدارس ، داخل المؤسسات التعليمية، و حتى في البيوت، بحيث تساهم الأسرة بقسط كبير في تفشي هذه الظاهرة المشينة.
إن سماع اللغة المسيئة والمبتذلة بشكل مستمر يشكل ضغطا نفسيا موازيا لضغوط الضوضاء المادية، حيث يعكس تدهورا في الذوق العام وغيابا للاحترام المتبادل.
 و هذا راجع لمجموعة من الدوافع و الأسباب، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر،
ضعف الوازع الديني و انعدام القدوة الحسنة
و الضغوطات النفسية التي يعاني منها الشخص جراء صعوبات الحياة و متطلباتها المتزايدة و ضعف الإمكانيات لمواجهتها
أيضا هناك الإعلام السمعي و البصري، ومواقع التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، بالإضافة إلى الأفلام و المسلسلات الرديئة الجودة  و المدبلجة باللغة الغير الصائبة و الغير الصحيحة و التي تأثر سلبا على سلوك متتبعيها، هناك أيضا إهمال الأخلاقيات من طرف الأسرة و المدرسة، و تخلي الوالدين عن مسؤوليتهم و دورهم تجاه أبنائهم، و كذلك غياب الخطاب الديني التربوي فأصبح الحياء سلعة قديمة لا قيمة لها.
و الطامة الكبرى و هو الإدمان على المخدرات ، هاته الظاهرة السيئة تلعب دورا أساسيا في تدني أسلوب الكلام، و تفشي الكلام الفاحش و استعمال عبارات تدل على العنف و التهديد، و الشتم و السب بالذات الإلاهية ،  بحيث أصبح الكلام الرديء الدنيء، عاليا عند البعض بعدما كان عارا و عيبا و ممقوتا.
فهناك من اعتادوا التلفظ بالألفاظ النابية الساقطة دون حشمة و لا حياء لا من الله الخالق و لا من المخلوق ، بل أصبح الفحش و البذاءة يمثلان جوهر حديثهم
هم يظنون أنهم هكذا يبرزون شخصياتهم، لكن في الحقيقة هو فعل مخزي، مخجل، و مؤلم، يندى له الجبين و يدمي القلب و تشمئز منه النفوس.
فالفحش في الكلام وبذاءة اللسان؛ امر عسير و مرض خطير، وشر مستطير، حرمه الله تعالى على عباده ، فقال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
و من الآثار النفسية والاجتماعية للغة المسيئة:
*تدهور المناخ الاجتماعي: خلق بيئة سلبية مشحونة بالعدوانية والتوتر بدلا من التفاهم والتعاطف.
*تشويه القيم لدى الأجيال الجديدة: اعتبار استخدام الألفاظ النابية أمراً مقبولاً أو حتى "موضة"، مما يؤدي إلى تآكل القيم اللغوية والأخلاقية.
*الإضرار بالصحة النفسية: الألفاظ القاسية هي شكل من أشكال العنف اللفظي، والتي تسبب الإحراج والأذى النفسي والاستياء لدى المتلقي، مما يزيد من مستويات الإجهاد والقلق.
   
و كمقترح لمعالجة هذه الظاهرة نسبيا، و التقليص منها جزئيا، يجب قيام كل مؤسسة بالدور المنوط بها، الأسرة بالدرجة الأولى،  المدرسة، الإعلام، المسجد، الأمن  المجتمع ككل،و كل مؤسسات الدولة لأنها مسؤولة عن التنشئة الاجتماعية، كما يجب إعادة النظر في المنظومة التربوية و تكون على   أسس القيم و الأخلاق الفاضلة.
كما نأكد على أن دور المجتمع المدني مهم في القيام بحملات التحسيس و التوعية للشباب
 و الأطفال المتمدرسين،  في المؤسسات التعليمية و عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
اللهم اجعلنا ممن قال فيهم الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام:
"إن من أحبِّكم إليَّ، وأقربِكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنَكم أخلاقًا."

تعليقات