.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

آراء ميشال زكريا في اللسانيات وإسهاماته في تطويرها..بقلم طالبة الدكتوراه سمر آل محمد الموسوي

الملخص

يعتبر علم اللسانيات من العلوم الحديثة نسبياً التي تهتم بدراسة اللغة من جوانبها المختلفة، من بنية وتركيب ودلالة، بدأ علم اللسانيات في العالم القديم مع الفلاسفة واللغويين الهنود والإغريق، إلا أن العرب كانوا من الرواد في هذا المجال خلال العصور الوسطى. أسس العلماء العرب الأوائل قواعد النحو والصرف وقدموا إسهامات كبيرة في دراسة اللغة. تطور علم اللسانيات بشكل كبير في القرن العشرين، وبرزت أسماء عديدة في هذا المجال، من بينهم ميشال زكريا، الذي جمع بين التراث اللساني العربي والنظريات الحديثة.

 ميشال زكريا هو أحد أبرز العلماء الذين ساهموا في هذا المجال، خاصة فيما يتعلق بدراسة اللغة العربية وتطوير نظريات تحليلية جديدة لها.

يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل شامل لآراء ميشال زكريا في اللسانيات والتركيز على إسهاماته في تطويرها.

 

كلمات مفتاحية: " اللسانيات"، "علم الأصوات"، "ميشال زكريا". "علم الدلالة".

 

المقدمة

      عرف الدرس اللساني العربي تطورا كبيرا منذ اتصال الثقافة العربية باللسانيات الحديثة في العالم الغربي عن طريق البعثات العلمية، بدأ علم اللسانيات في العالم القديم مع الفلاسفة واللغويين الهنود والإغريق، إلا أن العرب كانوا من الرواد في هذا المجال خلال العصور الوسطى.  إذ نشطت عملية التأليف في هذا العلم الحديث قصد التعريف به وبمختلف مدارسه ومناهجه، ثم انتقل هذا النشاط من مجرد التعريف بهذا العلم وترجمة المؤلفات الغربية التي أسست له إلى النظر في اللغة العربية بالاعتماد على معطيات اللسانيات، سعيا لجعل البحث في هذه اللغة يتسم بالعلمية. وقد اتجه هذا النظر في اللغة إلى البحث في التراث اللغوي العربي من خلال الموروث اللغوي الذي خلفته ثلة من علماء العربية القدامى - خاصة ما تعلق منه بالنحو - حيث حاولت الجهود العربية الوصول إلى وضع نظرية جديدة للنحو العربي تساير اللغة العربية في شكلها الحديث وتسعى إلى تيسير النحو، فبرز في هذا المجال عدة اتجاهات تأثرت في عمومها بالنظريات اللسانية الغربية، إذ صُنفت هذه الجهود في تيارات تنظر إلى اللغة العربية وفق المبادئ التي بنيت عليها تلك المدارس الغربية، وأهم هذه الاتجاهات ما يأتي:

1 - الاتجاه الوصفي البنيوي؛ إذ اتبع أصحابه طريقة الوصفيين الغربيين في تعاملهم مع النحو التقليدي، فكانت نظرتهم إليه نظرة ناقدة يدعو أصحابه إلى رفض كثير من مقولات النحو العربي خاصة التعليل، واقترح بعضهم بدائل اعتبروها قادرة على وصف اللغة العربية أفضل من مقولات التراث، ويبرز في هذا الاتجاه كل من عبد الرحمن أيوب، وتمام حسان، وإبراهيم السامرائي.

2- الاتجاه التأصيلي، يسعى أصحاب هذا المنهج إلى تأصيل بعض جوانب النظرية النحوية العربية من خلال مقابلتها بنظيراتها في النظرية اللغوية الحديثة، إذ قد يُقابل النحو العربي مع النظريات الغربية كلّها، أو يكتفي أصحاب هذا الاتجاه ابلة النحو العربي مع نظرية لغوية واحدة كالنحو التوليدي. وأهم من يمثل هذا المنهج التقابلي كل من نهاد الموسى، وعبد الرحمن الحاج صالح، وعبد القادر المهيري، وميشال زكريا.

 3- الاتجاه التوليدي أو التفسيري؛ وقامت على النظرية التوليدية، ويبرز ضمن هذا الاتجاه كل من مازن الوعر، وعبد القادر الفاسي الفهري، وقد تأثرا في منهجهم بهذا بما جاء به نوام تشومسكي ومن التفوا حوله، وبعض المتأخرين ممن طوّروا هذه النظرية كأمثال كاتز، وفودور، وبريزنن.

 4- الاتجاه الوظيفي، تبرز في هذا المجال أعمال أحمد المتوكل الذي نقل النظرية الوظيفية إلى الثقافة العربية، وحاول إعادة بناء النحو العربي وفق هذا الاتجاه.

5- الاتجاه التوليفي الذي يقوم على خصائص نحو اللغات التوليفية، ويمثل هذا الاتجاه الحديث أحمد الأوراغي من خلال النظرية النسبية. فكان الهدف من وراء هذه التوجهات هو إعادة وصف اللغة العربية وفق ما يتطلب العصر الحديث، وإن كانت هذه الاتجاهات لم تقدم - باتفاق كثير من النقاد - نموذجا جديدا للغة العربية، ولم تزد عن كونها مبادرات غالبا ما تكون فردية، وقاصرة في المجال الإجرائي، فبقيت اقتراحات نظرية مبنية على خلفيات معرفية غربية. ومع الدور الإيجابي الذي لعبته تلك الجهود اللسانية العربية في التعريف بهذا العلم، وما صاحب ذلك من إسهاماتهم في إعادة قراءة التراث وفق المناهج الحديثة مما ساعد على فهم الكثير من القضايا اللغوية القديمة التي لم تفهم وبقيت مستغلقة على أذهان الباحثين العرب، وكذا ترجمة منتجات اللسانيات في الغرب، إلا أن تلك الجهود لم تخل من عيوب جعلت النقاد يحكمون عليها بالفشل في الوصول إلى الغاية التي تسعى إليها كل دراسة علمية للغة؛ فبقيت هذه الإنتاجات اللسانية المتراكمة في عمومها خطابات فكرية لم ترق إلى العلمية، مما أبعدها عن وضع نظرية لغوية عربية جديدة تقف إزاء النظريات الغربية، فتكون عربية الهوية حديثة الطرح تستجيب لروح العصر .

مما يلاحظ على هذه الجهود العربية أنّ أصحابها يصرون على أنها تعد بدائل للدراسات اللغوية القديمة، وأنها تقف بإزاء الدراسات اللغوية الحديثة كما سبقت الإشارة إليه وأكثر من ذلك، فقد ظهرت موجة من الخلاف بين أصحابها حول أي منها أصلح لتكون في تلك المرتبة. أدى ذلك إلى بروز موجة من النقد والإقصاء بين هؤلاء الدارسين مما أثر سلبا على الدراسات اللسانية العربية، وجعل من أمر تلقيها مستعصيا حتى على النخبة، إذ اتصفت تلك الجهود بالتباعد والتنافر بينها مما جعلها توصف بالضعف وأصبح راهنها يقلق النقاد المهتمين بالدرس اللساني العربي. جاءت هذه الدراسة لإلقاء الضوء على هذا الواقع من خلال التطرق لجهود لساني عربي هو ميشال زكريا، وذلك بالتطرق بالعرض والمناقشة لجهوده اللسانية ونموذجه في دراسة اللغة العربية، وكان ذلك انطلاقا من الرغبة العلمية في دراسة أفكار وجهود ميشال زكريا في الالسنية.

 

ميشال زكريا

        هو عالم لغة لبناني بارز، وُلد في لبنان وتلقى تعليمه الأساسي والثانوي هناك. ثم انتقل إلى فرنسا لاستكمال دراساته العليا، حيث حصل على درجة الدكتوراه في اللسانيات. كانت مسيرته الأكاديمية والعلمية مميزة وغنية بالإسهامات ونشأ في بيئة تهتم بالتعليم والثقافة حيث أظهر منذ الصغر اهتمامًا كبيرًا باللغة والأدب. بعد الانتهاء من دراسته الثانوية، انتقل إلى فرنسا لاستكمال دراساته الجامعية. حصل على درجة البكالوريوس في الأدب الفرنسي، ثم واصل دراسته ليحصل على درجة الماجستير في اللسانيات. كانت دراسته في فرنسا نقطة تحول في حياته العلمية، حيث اطلع على أحدث الأبحاث والنظريات في مجال اللسانيات، حصل على درجة الدكتوراه من إحدى الجامعات الفرنسية العريقة، وكانت أطروحته حول اللسانيات العربية وتأثيرها في اللغات الأخرى. قدم في أطروحته دراسة مقارنة بين اللغة العربية واللغات الأخرى، مسلطًا الضوء على التأثيرات المتبادلة والتفاعلات الثقافية، بعد عودته إلى لبنان، شغل ميشال زكريا مناصب أكاديمية في عدة جامعات لبنانية وعربية. قام بتدريس مواد في اللسانيات، النحو، والصرف، وأسهم في تدريب العديد من الطلاب والباحثين في هذا المجال، وكتب العديد من الكتب والأبحاث في مجال اللسانيات، تناولت مواضيع متنوعة مثل النحو العربي، الصرف، علم الأصوات، والدلالات. تعتبر كتبه مرجعًا هامًا للطلاب والباحثين في اللسانيات العربية. وأيضا شارك في العديد من المؤتمرات والندوات الدولية، حيث قدم أوراق بحثية حول اللسانيات العربية والتأثيرات المتبادلة بين اللغات، كان له دور بارز في تعزيز الحوار الأكاديمي بين الباحثين العرب والأجانب، وحصل على العديد من الجوائز والتكريمات من مؤسسات أكاديمية وثقافية تقديرًا لإسهاماته في مجال اللسانيات.

 

اللسانيات

      هي علم دراسة اللغة، وهي حقل أكاديمي يهتم بوصف اللغة وفهم بنيتها ووظائفها. يمكن تقسيم اللسانيات إلى عدة فروع رئيسية، كل منها يركز على جانب معين من جوانب اللغة. فيما يلي نظرة عامة على بعض الفروع الرئيسية للسانيات:

الفروع الرئيسية للسانيات:

  1. النحو: يهتم بدراسة تركيب الجمل وكيفية تنظيم الكلمات في جمل وفق قواعد معينة.
  2. الصرف: يدرس بنية الكلمات وكيفية تشكيلها من جذور وقواعد اشتقاقية.
  3. علم الأصوات: يهتم بدراسة الأصوات اللغوية من حيث إنتاجها وانتقالها وإدراكها.
  4. الفونولوجيا: يركز على النظام الصوتي للغة، أي كيفية تنظيم الأصوات واستخدامها في اللغة.
  5. علم المعاني: يدرس معاني الكلمات والجمل وكيفية تفسيرها.
  6. علم التداولات): يهتم بدراسة كيفية استخدام اللغة في السياقات التواصلية المختلفة وكيفية تأثير السياق على معنى الكلام.
  7. علم اللغة الاجتماعي: يدرس العلاقة بين اللغة والمجتمع، وكيفية تأثير العوامل الاجتماعية على استخدام اللغة.
  8. علم اللغة النفسي: يدرس كيفية معالجة اللغة في الدماغ، بما في ذلك اكتساب اللغة وفهمها وإنتاجها.

أهمية اللسانيات عند العرب:

       كانت الدراسات اللغوية عند العرب من أقدم وأعمق الدراسات اللغوية في التاريخ، حيث بدأ العلماء العرب منذ القرون الأولى للهجرة بدراسة اللغة العربية بعمق، ووضعوا قواعد النحو والصرف ودرسوا علم الأصوات والمعاني. من أشهر العلماء العرب في هذا المجال: الخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه. هذه الدراسات ساهمت في الحفاظ على اللغة العربية وضمان استمراريتها عبر العصور، كما أثرت في العديد من اللغات والثقافات الأخرى. ميشال زكريا له إسهامات كبيرة في مجال اللسانيات. من أبرز آرائه حول اللسانيات عند العرب:

1.      البنية الصوتية للغة العربية: درس زكريا الأصوات وكيفية تشكيلها واستخدامها في اللغة العربية. قدم تحليلاً دقيقاً للصوتيات العربية، مشيراً إلى الفروق الدقيقة بين الأصوات المختلفة وكيفية نطقها. يعتبر زكريا أن اللغة العربية تمتاز بنظام صوتي غني ومعقد. قام بتصنيف الأصوات العربية إلى فئات مختلفة بناءً على مكان وكيفية إنتاجها. تشمل هذه الفئات:

  • الأصوات الصامتة (الساكنة): الأصوات التي يتم إنتاجها بدون اهتزاز الأحبال الصوتية. وتشمل هذه الأصوات مثلاً: الباء، التاء، الكاف.
  • الأصوات المتحركة (الحركية: الأصوات التي تصدر باهتزاز الأحبال الصوتية وتشمل: الألف، الياء، الواو.
  • الأصوات المجهورة والمهموسة: الأصوات المجهورة هي تلك التي تحدث مع اهتزاز الأحبال الصوتية، مثل: الباء، الدال، الغين. في حين أن الأصوات المهموسة هي التي تحدث بدون اهتزاز الأحبال الصوتية، مثل: التاء، السين، الكاف.

 

التحليل الفونيمي والفونتيكي: زكريا فرق بين التحليل الفونيمي (Phonemic Analysis) والفونتيكي Phonetic Analysis:

  • التحليل الفونيمي: يركز على الأصوات المميزة في اللغة والتي تفرق بين الكلمات. مثلاً، الفرق بين صوتي /ب/ و/ت/ في كلمتي "باب" و"تاب".
  • التحليل الفونتيكي: يركز على التفاصيل الدقيقة لنطق الأصوات وكيفية إنتاجها في الجهاز الصوتي. يهتم هذا التحليل بكيفية إصدار الأصوات والتغيرات التي تطرأ عليها في الكلام المتصل.

الفروق الصوتية الدقيقة: أبرز زكريا أهمية الفروق الدقيقة بين الأصوات في اللغة العربية وكيفية إدراك هذه الفروق. على سبيل المثال، التمييز بين الصوتيات مثل "ض" و"ظ" والتمييز بين الحركات القصيرة والطويلة. ركز زكريا على كيفية تأثير هذه الفروق على فهم الكلام وإنتاجه.

التأثيرات السياقية: ناقش زكريا كيف تتغير الأصوات في السياقات المختلفة. مثلاً، كيف يتغير نطق الأصوات اعتمادًا على الأصوات المحيطة بها في الكلمة أو الجملة. هذه الظاهرة تعرف بـ "التغير الصوتي السياقي" (Contextual Phonetic Variation). درس زكريا تأثير السياق الصوتي على نطق الحروف المتحركة والساكنة، وكيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغييرات في الصوت الفعلي المنتج.

 العلاقة بين الصوت والمعنى: ركز زكريا على العلاقة بين الصوت والمعنى في اللغة العربية، وكيف يمكن أن تؤدي الفروق الصوتية إلى تغييرات في المعنى. هذا يشمل دراسة التغيرات الصوتية التي يمكن أن تغير معنى الكلمة بالكامل، مثل الفرق بين "قلم" و"كلم".

النظام الصوتي والموسيقى اللغوية: اهتم زكريا أيضاً بالنظام الصوتي للغة العربية من منظور الموسيقى اللغوية، حيث درس الأنماط النغمية والإيقاعية في اللغة العربية. بحث في كيفية تأثير الموسيقى اللغوية على التفاهم والوضوح في الكلام، وكيف يمكن أن تختلف الأنماط الصوتية بين اللهجات العربية المختلفة.

البحوث التطبيقية: أجرى زكريا العديد من البحوث التطبيقية التي تعتمد على تسجيلات صوتية وتحليلها باستخدام برامج تحليل الصوت. هذه البحوث ساعدت في تقديم بيانات تجريبية دقيقة حول كيفية إنتاج الأصوات العربية، وكيفية تفاعلها في الكلام الفعلي.

2.  النحو التوليدي:

       النحو التوليدي هو نظرية لغوية أسسها نعوم تشومسكي في منتصف القرن العشرين، تهدف إلى تفسير كيفية إنتاج البشر لعدد غير محدود من الجمل باستخدام مجموعة محدودة من القواعد. ميشال زكريا تبنى هذه النظرية وقام بتطبيقها وتطويرها لدراسة اللغة العربية. سأشرح بالتفصيل مكونات ومفاهيم النحو التوليدي وكيفية تطبيقه على اللغة العربية وفقًا لآراء ميشال زكريا.

القواعد التحويلية: النحو التوليدي يعتمد بشكل كبير على فكرة القواعد التحويلية (Transformational Rules)، التي تشرح كيفية تحويل بنية عميقة (Deep Structure) إلى بنية سطحية (Surface Structure).

  • البنية العميقة: تمثل المعنى الأساسي للجملة.
  • البنية السطحية: تمثل الشكل الصوتي أو الكتابي النهائي للجملة.

المكونات الأساسية للنحو التوليدي: ميشال زكريا اعتمد على هذه المكونات الأساسية للنحو التوليدي عند دراسة اللغة العربية.

  • المكون القاعدي (Base Component): يحتوي على القواعد الأساسية لتكوين الجمل، ويشمل:
  • المعجم (Lexicon): قائمة الكلمات الممكن استخدامها في اللغة مع خصائصها النحوية.
  • القواعد البنيوية (Phrase Structure Rules): قواعد تحدد كيفية تكوين العبارات والجمل من الكلمات.
  • المكون التحويلي (Transformational Component): يحتوي على القواعد التحويلية التي تشرح كيفية تحويل البنية العميقة إلى بنية سطحية.
  • المكون الصوتي (Phonological Component): يحدد كيفية نطق الجمل.
  • المكون الدلالي (Semantic Component): يحدد معاني الجمل.

تطبيق النحو التوليدي على اللغة العربية: ميشال زكريا قام بتطبيق نظرية النحو التوليدي على اللغة العربية من خلال

  • تحليل الجمل العربية: دراسة كيفية تكوين الجمل العربية باستخدام القواعد البنيوية. على سبيل المثال، كيفية بناء جملة مثل "الولد يقرأ الكتاب" من خلال تحديد الفاعل والفعل والمفعول به.
  • القواعد التحويلية في العربية: شرح كيفية تحويل البنى العميقة إلى سطحية في اللغة العربية. مثلاً، تحويل جملة بسيطة إلى سؤال باستخدام قواعد التحويل.
  • التركيب البنيوي للغة العربية: دراسة التركيب البنيوي للعبارات الاسمية والفعليّة وكيفية تكوينها.

الأمثلة والتطبيقات:

 زكريا استخدم أمثلة عملية لتوضيح كيفية عمل النحو التوليدي في اللغة العربية.

  • العبارات الاسمية: تحليل بنية العبارة الاسمية مثل "الكتاب الجديد" من خلال القواعد البنيوية.
  • الجمل الفعلية: تحليل بنية الجمل الفعلية مثل "قرأ الولد الكتاب" وكيفية تطبيق القواعد التحويلية لتحويلها إلى أشكال أخرى مثل السؤال "هل قرأ الولد الكتاب؟".
  • التأثيرات الثقافية والاجتماعية: درس زكريا تأثيرات السياق الثقافي والاجتماعي على النحو التوليدي في اللغة العربية. على سبيل المثال، كيف يمكن أن تؤثر العادات والتقاليد على كيفية تكوين واستخدام الجمل.

3.  العلاقة بين اللغة والثقافة

   ميشال زكريا كان من أبرز اللسانيين الذين ركزوا على دراسة العلاقة العميقة والمتبادلة بين اللغة والثقافة. برأيه، اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي جزء لا يتجزأ من الثقافة وتعكس القيم والمعتقدات والتجارب الجماعية لمجتمع معين. إليك شرحًا مفصلاً لرؤية ميشال زكريا حول هذه العلاقة:

اللغة كمرآة للثقافة:

زكريا يرى أن اللغة تعكس ثقافة المجتمع بكل جوانبها. الكلمات والعبارات والتعابير اللغوية تعكس العادات والتقاليد والمعتقدات والقيم التي يحملها أفراد المجتمع. على سبيل المثال:

  • الكلمات والتعابير: بعض الكلمات والعبارات تكون فريدة لمجتمع معين وتعكس تجاربه وبيئته. مثلًا، الكلمات المتعلقة بالبيئة الصحراوية في اللغة العربية تعكس البيئة التي نشأت فيها هذه اللغة.
  • الأمثال والحكم: تُعتبر الأمثال والحكم جزءًا من التراث الثقافي وتعكس حكمة الأجيال وتجاربهم.

اللغة كأداة لنقل الثقافة:

       اللغة هي الوسيلة الرئيسية التي يتم من خلالها نقل الثقافة من جيل إلى جيل. من خلال اللغة، يتعلم الأفراد العادات والتقاليد والقيم الثقافية لمجتمعهم. زكريا يوضح أن هذا الانتقال الثقافي يتم من خلال:

  • القصص والحكايات: تستخدم القصص والحكايات الشعبية لنقل القيم والتقاليد الثقافية.
  • الأدب والشعر: يعكس الأدب والشعر تجارب ومشاعر المجتمعات وينقلها عبر الأجيال.

تأثير الثقافة على اللغة:

     الثقافة تؤثر بشكل كبير على تطور اللغة وتشكيل مفرداتها وقواعدها. زكريا يشير إلى أن التغيرات الثقافية والاجتماعية يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في اللغة. على سبيل المثال:

  • التغيرات التكنولوجية: إدخال مصطلحات جديدة لتعكس التطورات التكنولوجية.
  • التغيرات الاجتماعية: تغير العادات والتقاليد يمكن أن يؤدي إلى تغير في استخدام الكلمات والتعابير.

التنوع اللغوي والثقافي:

 زكريا يبرز أهمية التنوع اللغوي في فهم التنوع الثقافي. كل لغة تحتوي على نظامها الفريد من الرموز والمعاني التي تعكس ثقافة معينة. من خلال دراسة التنوع اللغوي، يمكن فهم التنوع الثقافي بشكل أفضل.

الهوية الثقافية واللغة:

اللغة تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل الهوية الثقافية للأفراد والمجتمعات. زكريا يشير إلى أن الحفاظ على اللغة هو جزء من الحفاظ على الهوية الثقافية. اللغة تعزز الانتماء والشعور بالفخر الثقافي.

أمثلة على العلاقة بين اللغة والثقافة:

  • المفردات: في اللغة العربية، هناك مفردات تعكس بيئة الصحراء مثل "جمل"، "رمال"، "سراب". هذه الكلمات تعبر عن البيئة التي عاش فيها العرب وتكيفوا معها.
  • التعابير الثقافية: تعابير مثل "رمضان كريم" و"عيد مبارك" تعكس الممارسات الدينية والاجتماعية للمسلمين.

 

الخاتمة:

من خلال أعماله، أسس ميشال زكريا قاعدة معرفية عميقة لفهم البنية الصوتية للغة العربية، وقدم أدوات تحليلية هامة يمكن استخدامها لدراسة وتدريس اللغة العربية بشكل أكثر فعالية. إسهاماته في هذا المجال أثرت بشكل كبير على الأبحاث اللسانية في العالم العربي، وساهمت في تطوير فهم أعمق وأكثر شمولاً لنظام الأصوات في اللغة العربية. ان النحو التوليدي الذي طوره ميشال زكريا من خلال تطبيقه لنظريات تشومسكي على اللغة العربية ساهم في تقديم فهم أعمق لبنية وتكوين الجمل في اللغة العربية. هذا النهج التحليلي ساعد في فتح آفاق جديدة لدراسة اللغة العربية من منظور لغوي حديث، وأثر بشكل كبير على البحث الأكاديمي في هذا المجال. واكد ميشال أن العلاقة بين اللغة والثقافة هي علاقة متبادلة ومتجذرة بعمق. اللغة ليست فقط وسيلة لنقل الأفكار بل هي تجسيد للثقافة التي تحوي هذه الأفكار. فهم هذه العلاقة يمكن أن يساهم في تعزيز التواصل بين الثقافات المختلفة وتقدير التنوع الثقافي الغني في العالم.

 

المصادر والمراجع

 

الكتب

 زكريا، ميشال. (1980). "اللغة والثقافة". دار الكتاب العربي.

 تشومسكي، نعوم. (1965). "النحو التوليدي". دار النشر الجامعي.

البعلبكي، منير. (2000). "معجم اللسانيات". دار العلم للملايين.

 

معاجم اللغة العربية

"لسان العرب" لابن منظور.

"المعجم الوسيط" لمجمع اللغة العربية بالقاهرة.

كتب علم الدلالة الحديثة

 

  •   Ladefoged, Peter. "A Course in Phonetics."
  • Clark, John, and Yallop, Colin. "An Introduction to Phonetics and Phonology."
  • Lyons, John. "Semantics."
  • Cruse, D. Alan. "Meaning in Language: An Introduction to Semantics and Pragmatics."

 

 

كتب علم اللسانيات العامة

  • Fromkin, Victoria, and Rodman, Robert. "An Introduction to Language."
  • Yule, George. "The Study of Language."

البحوث

الموسى، نهاد (٢٠٠٠) نحو توصيف جديد في ضوء اللسانيات الحاسوبية العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ط١.

الهاشمي، بكوش، فاطمة (٢٠٠٤)  نشآة الدرس اللساني العربي الحديث دراسة في النشاط اللساني العربي، ايترك للنشر والتوزيع ، القاهرة ط١.

وافي، علي عبد الواحد،(د.ت)، علم اللغة، دار نهضة مصر، ط٧.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق