.post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

بحث

قراءة نقدية في ديوان (شيء من المنفى) للشاعر المغربي أحمد حضراوى بقلم/ الناقد الأدبي المصري عاطف عز الدين عبد الفتاح

قراءة نقدية في ديوان ( شيء من المنفى) الشاعر المغربي / أحمد حضراوى الناقد الأدبي المصري / عاطف عز الدين عبد الفتاح
هذه ليست دراسة نقدية عن ديوان ( شيء من المنفى ) للشاعر المغربي احمد حضراوى , ولكن هذه الدراسة النقدية هي ( شيء من النقد ) للدخول إلى محراب شاعر ( استعذب المنفى ) لذلك قام بإهداء الديوان إلى ( المنفى ) قائلا : ) إلى المنفى الذي صاغ من نفسي شعرا ... تلفحه النيران لا يطفئه الماء ... و قد صار كالبركان !!. ) ليتم التحام جميل وتضافر فني بديع بين عنوان الديوان وكتابة الإهداء إلى المنفى وكذلك القصيدة الثالثة وهى بعنوان ( شعر على باب المنفى ) . وفى هذا الصدد يذكرنا الشاعر المغربي احمد حضراوى بأبي العلاء المعرى " رهبن المحبسين " وكذلك بالشاعر العراقي المعاصر " مظفر النواب " . يتكون ديوان ( شيء من المنفى ) للشاعر المغربي احمد حضراوى من ثماني وعشرين قصيدة , وقصائد الديوان غنائية إذ يتحدث الشاعر عن تجربة ذاتية مر بها مستخدما ضمير المتكلم فيحكى القصيدة على لسانه . وتبدأ قصائد ديوان ( شيء من المنفى ) باعتذار من الشاعر إلى القارئ .. فالقصيدة الأولى تحمل اسم ( اعتذار مسبق ) ينفى الشاعر عن نفسه صفة الشعر مما يجعلنا أمام براعة استهلال : ( معذرة .. فأنا لست بشاعر .. لست أنا إلا آس ضاجر .. من موت قبل الموت ). ويخبرنا الشاعر إنّه ليس سعيدا بحياته ؛ ويعيش في ضجر وبرغم أنه ما زال حيا إلا أنّه يشعر بأنه قد فارق الحياة !!! وهذا المعنى قد كرره الشاعر في قصيدة ( بعث يراع ) إذ يقول في استهلالها الجميل : ( أبحث عن ذاتي ... بين قبور الأموات ... فأراها بعثت ... في دنيا أحياء ) . وليسمح لي القارئ أن أتوقف قليلا أمام قصيدة ) على باب المنفى ( إذ يفتخر الشاعر بنفسه ويتقمص شخصية شاعرنا الكبير " المتنبي " كمعلم وأستاذ لفن الشعر فنراه _ أحمد حضراوي _ يتحدى الشعراء اللصوص سارقي الإبداع وأطلق على هذه الفئة اسم ) لقطاء الحرف( . وتبدأ قصيدة ) على باب المنفى ( بهذا الاستهلال : ( راود شعري لقطاء الحرف ... بذاكرة الخوف ... على باب خيالي ) . راود يعنى المواقعة الجنسية, ويريد الشاعر أن يقول : إن لقطاء الحرف ( وهم سارقو الإبداع )الذين استباحوا شعره وربطوه على باب المهجر , إشارة لشعراء المهجر , وهنا يتقمص الشاعر شخصية المتنبي كبير شعراء العربية .. يقول الشاعر عن هؤلاء السارقين " لقطاء الحرف : " ) وأعلمهم ما كان ليفقه شعري ... أو ينظر في أدبي .. أو يقرأ فيه إلى النصف .. أدباء المهجر قد هجروا .. ثملوا من كأس حداثته .. بل سكروا ( يستعرض الشاعر شعر المتنبي ويوظفه بمهارة واقتدار قائلا : ) لست أنا المتنبي .. لا أزعم أن الأعمى ينظر في أدبي ... إلا إن كان له قلب من قلبي .. لا أزعم من كان به صمم ... تسمعه كلماتي معنى الحب( يضع الشاعر الشعر في مكانة سامية ويرفض الرقابة على هذا اللون من الكتابة الإبداعية قائلا : ( لا أرضى للشعر شريكا في الكراس .. ولا أرضى للشعر رقيبا في الناس ... لا أرضى لفؤاد آخر ينبض فيه ... يزيد عليه الأوجاع ) . وفى قصيدة ) قل أيّها الشاعرون ( يهاجم الشاعر دعاة قصيدة النثر ويسخر منهم فهم يتجرءون على كل قلم بقى مخلصا لقرض الشعر وفن قواعده . يقول الشاعر بلسان يفيض مرارة وسخرية في قصيدته " النونية " : ( أنا لست أكتب ما تكتبون .. ولا شاعر قط ما تشعرون .. لكم نثركم قد نثرتم وانتم به معجبون ... وأقحمتموه بما يسترون .. بحشو دواوينكم كل معنى به .. تقتلون ) ونلاحظ استلهام الشاعر لسورة ) الكافرون( والتي تبدأ ب " قل يا أيّها الكافرون " فإن الشاعر بدأ قصيدته أيضا : ( قل.. أيّها الشاعرون ... ويا أيها الناثرون .. لم يحبرون . ) ويستمر الشاعر في سخريته ودفاعه عن الشعر وعلم العروض الذي وضعه الخليل بن أحمد في القرن الثاني الهجري قائلا : ( إن ابن الخليل .. سليل القوافي وربان بحر طويل .. وان قولتم إنكم شعراء ... فأنتم إذن تكذبون .. لكم نثركم لو تسمون شعرا ... ولي أنا شعري .. ولكن شعري لا تفقهون !. ) استلهام جميل لسورة ( الكافرون ) الذي أبدع الشاعر في توظيفها ليسخر من دعاة قصيدة النثر في معركة حياة أو موت لذا حرص على أن تنتهي قصيدته بمقولة تشبه مقولة " هاملت " في مسرحية (هاملت ) " لشكسبير " ( أكون أو لا أكون .. تلك هي المشكلة " ومن هنا جاءت نهاية القصيدة : ( وما الشعر إلا .. حياة إنسان تكون بها أنت ... أو لا تكون ) . وفى عجالة نستعرض للقارئ قصيدة ( رسالة إلى المفتى ) حيث يسأل الشاعر دار شيخا عن وطن يقدم نساءه للسائحين لتنشيط السياحة وزيادة الدخل القومي , وهذه الرسالة التي يرسلها الشاعر إلى المفتى تتناص مع قصيدة ( بلقيس ) " لنزار قباني " التي يفضح فيها الحكام العرب وحاشية كل ملك ورئيس حيث شبه كل فاسد بأبي لهب . تتكون قصيدة ( رسالة إلى المفتى ) من مقطعين يفتتح الشاعر أولهما باستهلال جميل يقول فيه : ( يا شيخي .. أية فتوى تفتينا في هذا المبغي وطني .. راوده نخاسو القينات .. وراوده نخاسو الغلمان .. وقد جاءوا من كل زمان ومكان .. ذاك يراود جارية عند البدء ... وذاك يراود جارية بعد حلول الليل ... وذاك يراود أخرى بعد القرء .. وبعد طقوس الطهر .. وبعد طقوس البرء ) ويستعرض الشاعر مفهوم العولمة وقروض البنك الدولي بمعنى أننا يجب أن نتنازل عن (الشرف والعرض كي نستحق القرض ), ويرسل الشيخ ردا للشاعر ونلاحظ أن الشيخ يمثل وجهة نظر الحاكم لذا نراه يقول مدافعا عن رؤية الحاكم ) فحسب مذاهبنا الأربع .. قد مس بقدسيّة الدولة .. مس بقدسيّة الحريّة عند المرأة .. فهو لعين .. لا مانع عند مذاهبنا نحن .. بأن نقلع نصف لسان منه .. ونقرب للوالي النصف الآخر( تتحول سخرية الشاعر من الوطن إلى هؤلاء الشيوخ الذين يعملون في خدمة كل حاكم يأخذون منه أجرا ؛ فيتهكم الشاعر منهم في صورة هذا الشيخ الذي أرسل له الرسالة قائلا : ( يستعمل آذانا من مطاط .. وعيون زجاج! .. ما كل البغي حرام .. ما كل بغايا العصر قيان ) و ( لحظة التنوير ) في القصيدة هي عبارة عن صدمة يصدمنا بها الشاعر إذ يقول الشيخ : ( هاذي الفتيات تساهم في تطوير مواردنا .. وتقدم للسياح حضارتنا .. وتقربهم من روح ضيافتنا ) أسلوب ساخر من الشاعر يطلق عليه النقاد المسرحيون اسم ( الكوميديا السوداء ) أو ( التراجيكوميديا ) أي مشهد يجمع المأساة بالملهاة بمعنى أن الجمهور يشاهد مأساة لكنه يضحك بسخرية !!! وتنتهي القصيدة بتهكم من الشاعر من فتوى الشيخ الذي يحاول إقناع الشاعر بأن ما يفعله السائحون مع فتياتنا ليس حراما ؛ فيقول : ( حتى إنّ حضن السائح إحداهن .. فذلك يا ولدى ليس مراودة .. بل هبة كفن " مساج" .. يشفى من داء " الروماتيزم " .. وقد كان لداء " السيدا " .. خير علاج ) ولست أزعم أنني قدمت "شيئا " مفيدا للقارئ في هذه الدراسة النقدية الموجزة لديوان "شئ من المنفى " للشاعر المغربي أحمد حضراوى الذي أتوقع له مستقبلا كبيرا في عالم الشعر ؛ وهذه الدراسة النقدية محاولة متواضعة منى للاقتراب من الديوان كنص شعري ؛ ومن الشاعر كمبدع ؛ وأرجو أن أكون قد نجحت في هذه المحاولة .

الناقد الأدبي المصري / عاطف عز الدين عبد الفتاح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق